تحل اليوم الذكرى الـ 46 لوفاة الزعيم الجزائري الراحل هواري بومدين، أحد أبرز القادة في تاريخ الجزائر المستقلة، الذي قاد البلاد في مرحلة مفصلية بعد الاستقلال، تاركًا بصمة لا تُمحى على مسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. توفي الرئيس بومدين يوم 27 ديسمبر 1978 عن عمر يناهز 46 عامًا، لكنه ما زال حيًا في وجدان الجزائريين، الذين يذكرونه كرمز للكفاح الوطني والنهضة الاقتصادية.
ولد محمد بن إبراهيم بوخروبة، المعروف باسم هواري بومدين، في 23 أغسطس 1932 بولاية قالمة، لأسرة ريفية متواضعة. التحق منذ شبابه بصفوف الثورة التحريرية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، حيث برز كأحد القادة العسكريين البارزين، وتميز بشخصيته الحازمة وعزيمته الراسخة.
تولى رئاسة الجزائر في 19 يونيو 1965 بعد الإطاحة بالرئيس أحمد بن بلة في انقلاب عسكري أبيض، عُرف بـ “التصحيح الثوري”. ومنذ توليه الرئاسة، ركّز بومدين على بناء دولة قوية ومستقلة سياديًا، متبعًا نهجًا اشتراكيًا يرتكز على تأميم الثروات الطبيعية، خصوصًا قطاع النفط والغاز، وتعزيز الصناعة والزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
أحد أبرز إنجازات هواري بومدين كان تأميم قطاع المحروقات في 24 فبراير 1971، حيث استعاد السيطرة الوطنية على النفط والغاز، ما عزز سيادة الجزائر الاقتصادية ومكّنها من استثمار عائداتها في التنمية. يُعتبر هذا القرار خطوة جريئة وضعت الجزائر على خارطة الدول ذات السيادة الحقيقية على مواردها.
كما عمل بومدين على إطلاق مشاريع تنموية كبرى في مجال الصناعة الثقيلة، مثل مصانع الحديد والصلب في الحجار، ومشروع الثورة الزراعية الذي هدف إلى استصلاح الأراضي وتعزيز الإنتاج الزراعي. ورغم التحديات، كان بومدين مصممًا على تحقيق نهضة اقتصادية شاملة، تؤسس لجزائر قوية ومستقلة.
تميزت حقبة بومدين بدور الجزائر المحوري في القضايا الدولية، حيث تبنى سياسة خارجية ثورية داعمة لحركات التحرر الوطني في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. تحت قيادته، أصبحت الجزائر صوتًا مسموعًا في حركة عدم الانحياز، ووسيطًا دوليًا في حل الأزمات، مثل أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران.
كما كان بومدين داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، مجسدًا التزام الجزائر المبدئي بدعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. شعار “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” يعكس دوره الحاسم في نصرة القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
في 27 ديسمبر 1978، فقدت الجزائر زعيمها هواري بومدين بعد صراع مع المرض، حيث عانى من مرض نادر ظل غامضًا لفترة طويلة. وفاته كانت صدمة كبيرة للشعب الجزائري، الذي اعتبره قائدًا استثنائيًا نجح في إرساء أسس الدولة الحديثة ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بحزم وشجاعة.
بعد 46 عامًا على رحيله، لا يزال هواري بومدين يحتل مكانة خاصة في قلوب الجزائريين. يُذكر كشخصية وطنية كرست حياتها لخدمة الوطن، وكرمز للاستقلال والسيادة الوطنية. ورغم مرور العقود، تبقى سياساته وإنجازاته حاضرة في الذاكرة الوطنية، وخاصة في مجالات تأميم الثروات وتعزيز التنمية المستقلة.
تحل الذكرى الـ 46 لوفاة الرئيس الراحل هواري بومدين لتذكرنا بمسيرة زعيم قدم حياته من أجل بناء دولة قوية ومستقلة. لقد ترك إرثًا سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، جعل الجزائر تتبوأ مكانة مرموقة على الساحة الدولية. وفي هذه المناسبة، يقف الشعب الجزائري إجلالًا لذكراه، ويستمد من مواقفه وإرثه الوطني الإلهام لمواصلة مسيرة البناء والتقدم.