الجلفة أونلاين

أولاد عبيد الله.. أكبر قرية على مشارف الجلفة خارج حسابات التنمية

أولاد عبيد الله.. أكبر قرية على مشارف الجلفة خارج حسابات التنمية
الحواس زريعة

على بعد خطوات قليلة من قلب مدينة الجلفة، وفي موقع استراتيجي يربطها بالعديد من المحاور الوطنية، تقبع قرية أولاد عبيد الله في عزلة تنموية خانقة، رغم أنها تُعتبر من أكبر التجمعات السكانية في البلدية بتعداد يفوق 36 ألف نسمة، وتشمل قرية أولاد عبيد الله الأم، وقرية بن نيلي، وقرية البريجة، وقرية مسكة. أرقام كفيلة بأن تجعلها بلدية قائمة بذاتها، غير أنّ الواقع يكشف وضعاً مغايراً تماماً: تهميش ممنهج، غياب للبنى التحتية، وتجاهل رسمي يثير استياء السكان الذين يرفعون أصواتهم منذ سنوات دون جدوى.

ما يزيد من حدة المفارقة أنّ السلطات، ممثلة في وزير الداخلية ووالي الجلفة، أولت اهتماماً واضحاً بقرية بن نيلي، في حين تُركت أولاد عبيد الله خارج خارطة المشاريع، لتبقى مثالاً صارخاً على التمييز في توزيع التنمية، وهو ما يصفه السكان بـ”الظلم التاريخي”.

أول ما يصدم الزائر للقرية هو غياب الخدمات الأساسية. عائلات بأكملها تعيش من دون ربط بالكهرباء أو الغاز أو المياه الصالحة للشرب. أحياء فرعية كاملة تغرق في الظلام ليلاً، وتفتقر حتى للإنارة العمومية، ما يجعل التنقل بعد غروب الشمس محفوفاً بالمخاطر. أما الطرق، فلا تزفيت ولا تهيئة عمرانية ولا أرصفة ولا شبكات صرف صحي. ببساطة، أولاد عبيد الله لا تزال تعيش في زمن البدايات، وكأنها غير معنية بخطط التنمية التي تتباهى بها السلطات على المنابر الإعلامية.

الفراغ يقتل طموحات شباب القرية. لا قاعات رياضية ولا مكتبات عمومية ولا مراكز ثقافية أو علمية. الموهبة تُدفن مبكراً، والحلم يُستبدل باليأس. غياب فضاءات للترفيه والتكوين فتح الباب أمام المخدرات والمهلوسات والانحرافات الاجتماعية. أطفال ومراهقون تركوا لمصيرهم في شوارع بلا رقابة، بينما يئنّ الأهالي من فقدان أبسط أدوات الوقاية الاجتماعية.

المؤلم أكثر أنّ مظاهر الفقر والحرمان دفعت بعض الكهول والشباب وحتى الأطفال إلى البحث في المزابل أو جمع القارورات البلاستيكية وبيع الخبز اليابس لسد رمق الحياة. صور صادمة تعكس انهيار النسيج الاجتماعي في منطقة لا تبعد سوى دقائق معدودة عن مقر الولاية.

مؤسسات غائبة ومرافق مفقودة رغم العدد السكاني الضخم، لا تتوفر القرية على قاعة للمطالعة العمومية، ولا مكتبة مجهزة بورشات علمية وثقافية، ولا حتى مركز مستقل لمحو الأمية. كما يغيب المركز الأمني الحضري في ظل تنامي السرقات والآفات. المؤسسة الوحيدة التي كان يمكن أن تخفف من معاناة السكان، وهي العيادة الصحية، لا تكفي بتاتاً لتلبية الطلب، ما جعلهم يطالبون بتحويلها إلى مؤسسة استشفائية بسعة 120 سريراً تشمل كل الاختصاصات الطبية لتخفيف الضغط على المستشفى المركزي بالجلفة.

في مجال التعليم، يعاني التلاميذ من اكتظاظ غير مسبوق: قسم واحد يضم 70 تلميذاً في المتوسطة الوحيدة، فيما تعجز المدارس الابتدائية عن استيعاب الأعداد المتزايدة. أما على مستوى الثانويات، فتدني المستوى في نتائج البكالوريا بات عنواناً للأزمة، ما جعل الأولياء يصفون مستقبل أبنائهم بـ”المجهول”.

أزمة نقل خانقة النقل العمومي يكاد يكون معدوماً. لا موقف رسمي للحافلات أو سيارات الأجرة، ما أجبر الطلبة، خصوصاً الفتيات الجامعيات، على مواجهة صعوبات يومية في التنقل. الحافلات القليلة المكتظة، والنقص الفادح في سيارات الأجرة، فتح الباب أمام “سائقي الفرود” الذين استغلوا الوضع لفرض تسعيرة 50 دج، ما أثقل كاهل العائلات محدودة الدخل. رغم حاجة المنطقة الماسة إلى مشاريع اقتصادية واجتماعية، فإن الشباب يعانون من بطالة خانقة. لا مركز تكوين مهني يوفر تخصصات مناسبة كالنسيج، الخياطة، الزراعة، وتربية المواشي، ولا مشاريع مصغرة قادرة على خلق مناصب شغل. ونتيجة لهذا، باتت القرية خزّاناً للفقر والبطالة والهجرة الداخلية نحو المدن الكبرى.

المركز البريدي الصغير عاجز عن تلبية الطلبات المتزايدة، ما جعل السكان يطالبون بتوسيعه وإنشاء مركز للموزعات النقدية الآلية (GAB)، بالنظر إلى موقع القرية على الطريق الوطني وكثرة المسافرين والموظفين والعاملين العسكريين الذين يقصدونه. أما السوق، فلا وجود لسوق مغطاة، وهو ما أجبر التجار على عرض بضائعهم فوق الأرصفة والطرقات في مشهد يختزل غياب التنظيم.

المفارقة الصادمة أنّ قرية أولاد عبيد الله، ورغم موقعها القريب جداً من عاصمة الولاية، لم تستفد من برامج السكن ولا من التجزئات العقارية، ما جعل أزمة السكن تتفاقم بشكل خطير. السكان يرون أن قريتهم تستحق أن تتحول إلى بلدية مستقلة، لتنال نصيبها من المشاريع التنموية وتخرج من دائرة التهميش.

السؤال الكبير الذي يطرحه السكان اليوم: لماذا تُقصى أولاد عبيد الله من مشاريع التنمية بينما قرى أخرى أصغر حجماً وظيفياً استفادت من عناية خاصة؟ ولماذا يُترك عشرات الآلاف من السكان يعيشون في ظروف بدائية تحت أنظار السلطات المحلية والوطنية؟

أولاد عبيد الله ليست مجرد قرية نائية، بل هي عنوان لفشل السياسات التنموية غير المتوازنة. واقعها المأساوي يختزل حكاية آلاف المواطنين الذين حُرموا من أبسط حقوقهم في العيش الكريم. صرخة الاستغاثة التي يطلقها السكان اليوم ليست مطلباً ترفياً، بل حق مشروع في العدالة المجالية، في وقت يُنتظر فيه من الدولة أن تُعيد النظر في سياستها تجاه هذه المنطقة المنسية.

المصدرالجلفة أونلاين
Exit mobile version