أثارت تصريحات وزير الاتصال الجزائري، الدكتور محمد مزيان، حول الحرب الإعلامية الممنهجة ضد الجزائر، جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث كشف عن حجم الاستهداف الذي تتعرض له البلاد من قبل ترسانة إعلامية معادية مدعومة من جهات دولية وإقليمية تسعى لتشويه صورة الجزائر وتقويض استقرارها الداخلي.
في محاضرة ألقاها بجامعة الجزائر، وبحضور إعلامي مكثف ونخب أكاديمية، سلّط الوزير الضوء على حملات التضليل الإعلامي التي تستهدف الجزائر. وأوضح أن هناك كتائب إعلامية متعددة الجنسيات تعمل وفق أجندات معدة مسبقًا، لتشويه صورة الجزائر عبر نشر الأخبار الكاذبة والمفبركة، وذلك من خلال ضخ محتوى إعلامي مكثف عبر القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية الدولية ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الحملات لا تقتصر فقط على الأخبار السياسية، بل تشمل أيضًا الأخبار الاقتصادية والرياضية والثقافية بهدف خلق صورة سلبية عن الجزائر أمام الرأي العام الدولي، وإضعاف ثقة المواطن الجزائري في مؤسسات بلاده.
تشير التقارير الأمنية إلى أن الجهات التي تشن هذه الحروب الإعلامية ضد الجزائر تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات التزييف العميق (Deepfake) لإنشاء مقاطع فيديو مزيفة ومقنعة، تحمل تصريحات ملفقة أو أحداثًا مشوهة بهدف تضليل الجمهور والتأثير على الرأي العام المحلي والدولي.
إضافة إلى ذلك، تُستخدم الخوارزميات المتطورة للتلاعب بنتائج البحث عبر الإنترنت، حيث يتم إغراق محركات البحث بمحتوى معادٍ للجزائر، لضمان ظهور المقالات السلبية والمضللة في صدارة نتائج البحث، وهو ما يُعد جزءًا من حرب ناعمة تستهدف صناعة الرأي العام وفق أجندات معينة
أكد مزيان أن حروب الجيل الرابع والخامس لم تعد تعتمد فقط على القوة العسكرية، بل أصبحت المعلومات والأخبار المضللة أداة رئيسية في هذه المعارك. فالحرب الحديثة تُدار عبر نشر الشائعات، التلاعب بالمحتوى الرقمي، واستخدام الإعلام كسلاح للتأثير على الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول.
وكشف الوزير عن رصد أكثر من 9000 صحفي حول العالم يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر على تشويه صورة الجزائر، حيث يتم تمويلهم من قبل جهات معادية تعمل على خلق بيئة مشحونة بالتوتر والانقسام داخل الجزائر وخارجها.
محمد مزيان، القادم من عالم الدبلوماسية، أظهر إلمامًا واسعًا بمعركة القوة الناعمة في المجال الإعلامي. ويرى المراقبون أن تصريحاته الأخيرة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بناءً على معطيات دقيقة تهدف إلى تنبيه الجزائريين إلى الحرب الإعلامية التي تستهدف بلادهم، وضرورة تعزيز الوعي الإعلامي لمواجهة هذه الحملات المضللة.
وأبرز مزيان كيف تسعى دوائر إعلامية في أوروبا والخليج، بتوجيه من لوبيات معروفة، إلى زرع أخبار مفبركة ضد الجزائر، بهدف التأثير على سياساتها الخارجية وعلاقاتها الاستراتيجية، خاصة مع الدول الإفريقية والعربية الصاعدة.
أوضح وزير الاتصال أن العديد من القنوات التلفزيونية والصحف الدولية، خصوصًا في الخليج وأوروبا، تخضع لهيمنة اللوبي الإعلامي المغربي، الذي يستغل الإعلام لخدمة أجندات سياسية معادية للجزائر. وأشار إلى فضائح تورط العديد من الصحفيين في حملات تضليل إعلامي، مثل الصحفي الفرنسي-المغربي رشيد مباركي في قناة BFM، الذي تم إيقافه بسبب ترويجه لأجندات معينة، وقضية الصحفي عبد الصمد ناصر في قناة الجزيرة، الذي طُرد بسبب رفضه الامتثال لضغوط سياسية معينة.
كشفت التحقيقات الإعلامية أن نتائج البحث عن الجزائر على محركات مثل غوغل تُظهر في المقام الأول مواقع مغربية تنشر أخبارًا مضللة، ما يكشف عن تلاعب بالخوارزميات لإبراز الرواية المغربية وإضعاف الظهور الإعلامي الجزائري. نفس الاستراتيجية تُستخدم على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تسيطر الكتائب الإلكترونية المعادية على المحتوى المتعلق بالجزائر، عبر نشر هاشتاغات مغرضة وضمان تصدرها الترند في وسائل التواصل.
تمتلك الجزائر أدوات متطورة لمتابعة ما يُنشر عنها في وسائل الإعلام العالمية. ويمكن لأي شخص تجربة البحث عن “الجزائر” بلغات مختلفة على مدار الساعة ليكتشف حجم المحتوى الإعلامي المعادي الذي يُنشر من خارج الجزائر، ما يكشف عن حرب إعلامية تُدار بميزانيات ضخمة من دول معادية.
تستخدم المؤسسات الجزائرية أنظمة متقدمة لرصد وتحليل المحتوى الإعلامي، حيث يتم تتبع كل مقال أو تقرير إعلامي يتناول الجزائر، وتصنيف مصادره ومدى مصداقيته. كما يجري العمل على تعزيز الإعلام الوطني ليكون أكثر قدرة على مواجهة هذه التحديات عبر منصات إعلامية متطورة.
في ظل انتشار الأخبار الكاذبة وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، شدد وزير الاتصال على أهمية تعزيز الوعي الإعلامي لدى الجزائريين لمواجهة حملات التضليل. ودعا إلى ضرورة تطوير الإعلام الوطني لمواكبة هذه التحديات والتصدي لمحاولات تشويه صورة الجزائر على الساحة الدولية.
إن المواجهة الفعالة لهذه الحرب الإعلامية تتطلب تضافر الجهود بين الإعلاميين، الأكاديميين، ومؤسسات الدولة، لضمان تدفق المعلومات الصحيحة، وتعزيز الإعلام الوطني ليكون مصدرًا موثوقًا للرأي العام الداخلي والخارجي، في ظل معركة مفتوحة على جميع الجبهات، حيث أصبحت المعلومات اليوم سلاحًا أقوى من أي وقت مضى.