يحط بنا برنامج “سياحة وتراث ” الرحال هذه المرة في عمق الصحراء الجزائرية لاكتشاف مروث ثقافي أصيل ،وتحديدا نحو منطقة “وادي ريغ” المعروفة بجمالها وتنوعها الثقافي المادي واللامادي ، فهي لها بصمتها منذ أزمنة بعيدة إذ كانت بمثابة مجمع للعديد من القبائل والعروش ، هذه القبائل كانت سبب التنوع و ترابط النسيج الإجتماعي المتماسك ، فكل زائر لقصور المنطقة العريقة يعرف أن لكل زاوية حكاية ولكل بصمة رواية، هندسات معمارية لازالت صامدة تروي الكثير عن تاريخ المنطقة تجعلك تكتشف من خلالها أنها كانت لقبائل متنوعة عاشوا ماضيا جميلا .
فمن بينها نجد” عرش الحشاني “الذي يمثل أقلية من سكان منطقة “وادي ريغ” ، هذه القبيلة معروفة بكرمها وجودها في كل زمان ومكان كيف لا ؟ وهي تضل من مكونات الهوية الجزائرية الأصيلة لها عاداتها وتقاليدها الخاصة بها والذي اكتسح فيه جانب اللباس التقليدي حضورا قويا منذ القدم بهذه المنطقة ف” اللباس التقليدي البخمار” أو كما يطلق عليه “الحَوْليِ” الذي طالما كان رمز الأصالة الذي اشتهرت به منطقة “وادي ريغ” عامة.
إذ يعد من الألبسة التقليدية النسائية الذي يمثل التراث الخاص بمدينتي “جامعة “و”تقرت”……له أهمية لدى المرأة في المنطقة كونه ممثلهم الوحيد والأساسي في الأفراح ، إذ تعتمده العروس الحشانية كقطعة فريدة من نوعها حفاظاً على التقاليد المتوارثة من جيل إلى جيل ، له مكوناته الخاصة مثل أي لباس تقليدي آخر، “كتانة وادي ريغ – الملحفة أو الحولي..” تنسج تفاصيله المكونة له من الصوف في المنسج بلون أسود وبتطريزات من اللونين الأحمر والأخضر ، باتت اليوم مصممات الطرز يبدعن فيه بطريقة جميلة ما تجعله يواكب الموضة ، وبطريقة تقليدية يُشَدُ بحزام من الصوف الملون ويرفق بـ (زَوَادَة كُحْل ومِرآة) مع محرمة حمراء تغطي كامل الوجه تشد “بجبين” و “النقابية” التي تزيده روعة، إضافة الى ثنية تكون خلف الظهر المصنوعة من قماش يكون عادة باللون الأخضر لغرض السترة الخلفية يطلق عليها “البخنوقة” مع البليغة باللون الأحمر(ريحية).
هذا الزي له إكسسوارته الخاصة من عقد سخاب العنبر، خلخال، المسايس المصنوعة من الفضة، هذه” الملحفة” تلبسها العروس في بداية العرس والذي يسمى في المنطقة ( يوم البديان).
وبعد ارتداء “البخمار” لا تكشف العروس عن وجهها أبدا لغير والدتها أو أختها تلبسه إياها عجوز كما ذكر في مقال للكاتبة “مريم لمام محمدي” : ” إلباس العروسة تقوم به امرأة مسّنة إذ تضع في فمها خاتما أو حديدة أو خلخالا من الفضة وهذا حتى لا تتكلم، ثم تضع للعروسة الحناء، تُجملها، تظفر لها شعرها وعند الانتهاء تفتح العروسة حبة الرمان وتوزعها على البنات الحاضرات، هذا من أجل “الفال” حتى يتزوجن، ثم تزف إلى بيت زوجها، حينئذ يكشف الزوج عن وجهها ويقدم لها النقود عرفانا على تعرية الوجه”.
هكذا هي التقاليد الخاصة بالعروس الحشانية أين يكون خروجها وهي تحمل في يدها في بعض المرات أيضا حبات القرنفل وبرتقالة للطيب مع الورد أو عكاز والدها مزينا بخيوط الصوف الملونة وأيضا سلة مملوءة بالحلوى والمكسرات والنعناع رفقة الإناث كما يتم توزيع المشروبات وسط زغاريد وأغاني تقليدية ورائحة البخور تعطر كل أرجاء المنطقة ، كماتطهى أشهر المأكولات التقليدية المعروفة في المنطقة مثل طبق الرفيس، الكسرة، البربوشة…وغيرها من الأطباق التي تعتمد في أفراح منطقة” وادي ريغ” توحي بجو من الفرحة ودوام الهناء لها ولغيرها.
وحفاظا عليه أصبح يعرض في المعارض المحلية والإقليمية والوطنية وهناك مصممات ومطرزات يحرصن على بقائه وإثباته دائما كموروث ثقافي مادي في محلات خاصة لكرائه بقيمة تتراوح ما بين (2000-6000-لتصل حتى المليون دينار جزائري) وهذا يبقى حسب نوعية الصوف والإكسيسوارات والطرز.
واليوم الطلب عليه أصبح حتى من غير عرش الحشانيين الذين لهم عشق للباس التقليدي الصحراوي ، “كتانة وادي ريغ” عادة تبقى تختلف عاداتها من عائلة لأخرى لكنها تضل جوهرة متوارثة عند حرائر المنطقة في زمن تعددت فيه الألبسة العصرية ، إلا أن هذا الزي يبقى حلم كل فتاة حشانية أن ترتديه في يوم من الأيام لأن له مكانته الخاصة في منطقة “وادي ريغ” .
بقلم: خولة وسيلة موسى
المصدر: من مقابلات شخصية مع سيدات من المنطقة ( من عائلة مسعودي حدة – بوجرادة عبلة )