يبدو أن الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا، يحاول استغلال التوتر الحالي مع الجزائر بعد حادثة إسقاط الطائرة بدون طيار “أكنجي” التابعة للقوات الجوية المالية لصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية التي تعاني منها البلاد، خاصة مع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. من الواضح أن هذه الخطوة تهدف إلى تعبئة المشاعر الوطنية واستمالة الرأي العام لتمرير أجندته الشخصية والسياسية، والتي قد تشمل تمديد فترة حكمه تحت ذرائع مختلفة. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية قد لا تخفي حقيقة فشل حكومته في تحسين الأوضاع في مالي، بل على العكس فقد زادت الأزمات عمقًا، سواء على المستوى الأمني مع تصاعد هجمات الجماعات المسلحة، أو على المستوى الاقتصادي مع تدهور الظروف المعيشية للمواطنين. كما أن العلاقات مع الجزائر التي كانت شريكًا مهمًا في جهود الاستقرار الإقليمي أصبحت متوترة، مما قد يزيد من عزل مالي دوليًا وإقليميًا. إذا كان غويتا يسعى حقًا لخدمة بلاده، فمن الأجدر به أن يركز على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات بدلاً من استغلال الصراعات الخارجية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. فالشعب المالي في حاجة إلى حلول حقيقية وليس إلى خطابات استعراضية تزيد من تأزم الوضع. إن الوضع في مالي يزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم، والرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا بدلاً أن يعمل على معالجة الأزمات العميقة التي تعصف بالبلاد، يبدو أنه يفضل استغلال الأحداث الخارجية والتصعيد مع الجيران مثل الجزائر لخلق حالة من التعبئة الوطنية تُلهي الشعب عن الإخفاقات الداخلية. رغم الوجود العسكري الروسي عبر مرتزقة “فاغنر” والدعم غير المعلن من بعض الدول ، فإن الوضع الأمني في مالي لم يشهد تحسناً حقيقياً. بل على العكس، توسعت سيطرة جماعة الأزواد على الشمال والوسط، وزادت الهجمات الإرهابية (داعش) على المدنيين والقوات المسلحة كذلك. هذا الفشل الأمني يثبت أن الحلول العسكرية وحدها غير كافية، خاصة مع غياب استراتيجية سياسية حقيقية لاستيعاب المكونات المحلية وإشراكها في الحكم. تعاني دولة مالي من أزمة اقتصادية خانقة، مع ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية وتدهور الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة. العقوبات الدولية والعزلة الإقليمية زادت الطين بلة، مما جعل المواطن المالي يدفع ثمن سياسات النخبة العسكرية الحاكمة. فبدلاً من معالجة هذه الكوارث، يبدو أن غويتا مشغول بتمديد حكمه تحت شعارات وطنية زائفة. الإستعداء والتصعيد الأخير مع الجزائر بعد إسقاط الطائرة المالية، هو مثال على سياسة خارجية فاشلة تعتمد على المواجهة بدلاً من الحوار. الجزائر كانت شريكاً أساسياً في جهود الاستقرار الإقليمي، والقطيعة معها ستزيد من تهميش مالي وتقليل خياراتها الدبلوماسية. حتى العلاقات مع دول الجوار مثل بوركينا فاسو والنيجر، التي يحاول غويتا توظيفها في تحالف “الساحل”، تبقى هشة وغير قادرة على تعويض الدعم الإقليمي الذي فقدته باماكو. كل هذه التحركات ، بما في ذلك التصعيد الإعلامي والعسكري ضد الجزائر تبدو محاولة يائسة من غويتا لخلق عدو وهمي خارجي يُبرر به تمديد حكمه. لكن الشعب المالي لم يعد يُنخدع بهذه الحيل، خاصة بعد سنوات من الوعود الكاذبة وتدهور كل مناحي الحياة. الخلاصة: “طريق مسدود بدون تغيير جذري” إذا استمر عاصيمي غويتا في سياسة الهروب إلى الأمام عبر كسب العداوة مع دول الجوار وإثارة النزعات القومية قصيرة الأمد، فإن مالي ستغرق أكثر في الفوضى. والحل الوحيد يكمن في:
1- وقف التلاعب بالرأي العام والإعتراف بالفشل في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والإقتصادي والمالي.
2- إعادة بعث الحوار الوطني ليشمل كل مكونات المجتمع، بما في ذلك الأزواد التي يمكن استيعابها سياسياً.
3- إصلاح العلاقات مع دول الجوار خاصة الجزائر، التي يمكن أن تكون شريكاً أساسياً في أي تسوية ودعما اقتصاديا وأمنيا.
4. الالتزام بجدول انتقالي حقيقي يؤدي إلى انتخابات نزيهة، بدلاً من التمسك بالسلطة تحت أي ذريعة. إن مالي على حافة الهاوية، والاستمرار في سياسات التضليل والمواجهة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار. الشعب المالي يستحق قيادة تضع مصلحة البلاد فوق المصلحة الشخصية والعنتريات العشوائية.