في أجواء الدخول المدرسي الجديد، فرض والي ولاية الجلفة، جهيد موسى، نفسه كأحد الولاة الأكثر حضورًا في الميدان. فمنذ بداية سبتمبر 2025، باشر سلسلة من الزيارات والجولات التفقدية التي عكست حرصه على متابعة المشاريع التنموية عن قرب، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي. الرجل الذي يفضّل العمل في صمت، اختار أن يكون في قلب الأحياء والمؤسسات: من دلولة بلعباس إلى شعوة والزريعة وعين الشيح، مراقبًا سير الأشغال وموجّهًا تعليمات دقيقة لضمان جاهزية المدارس ونظافة محيطها الداخلي والخارجي، بما يوفّر ظروفًا لائقة لاستقبال آلاف التلاميذ. ولم تتوقف هذه الديناميكية عند قطاع التربية، بل امتدت إلى ملفات حساسة كتهيئة الطرقات وفك الاختناقات المرورية. ففي مدخل المدينة الشمالي، أشرف الوالي على مشروع إعادة تأهيل الطريق الاجتنابي نحو حي عين الشيح، وهو محور ظل لسنوات مثار قلق وانتقاد بسبب الازدحام اليومي. خطوة فسّرها المتابعون بأنها رسالة واضحة بأن تحسين صورة المدينة يبدأ من معالجة مشاكلها الأساسية التي يعاني منها المواطن يوميًا. إلى جانب ذلك، برز أسلوب الوالي في النزول إلى الأحياء الشعبية، حيث فضّل الإصغاء المباشر لانشغالات السكان بدل الاكتفاء بالتقارير الرسمية. ففي حي الزريعة، وعد الأهالي بالنظر في مشاكل الماء الشروب والطرقات والإنارة العمومية. وفي عين الشيح، عبّر المواطنون عن امتعاضهم من غياب التهيئة، فجاء رده مقتضبًا: سنتكفل بالنقائص”، عبارة قصيرة جعلها الوالي جهيد موسى شعارًا عمليًا في مختلف خرجاته الميدانية، وقد رآها المتابعون دليلاً على واقعيته وحرصه على الاقتراب من هموم المواطنين بعيدًا عن الوعود الفضفاضة. فمنذ تعيينه، سُجلت إنجازات عديدة تجسدت في فتح مؤسسات تربوية جديدة، وإعادة تأهيل محاور مرورية أساسية، وتنظيم حملات نظافة وإنارة حسّنت من المشهد الحضري، إضافة إلى إطلاق مشاريع تنموية واعدة على غرار المنطقة الصناعية والمطار، اللذين يعول عليهما مستقبلًا في دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة. كما حرص على الاهتمام بقطاعات حيوية كالمياه والهياكل الترفيهية والشبابية، مؤكدًا أن هذه الملفات ستلقى عناية خاصة لضمان تلبية تطلعات سكان الجلفة.
شهادات السكان تضيف بعدًا داعمًا للصورة، إذ عبر أولياء التلاميذ في حي شعوة عن ارتياحهم لتحويل مقر قديم للحرس البلدي إلى مجمع مدرسي يساهم في تحسين ظروف التمدرس لأبنائهم، فيما عبّر سكان الزريعة عن رضاهم إزاء تعبيد الطرقات وتنظيم حملات النظافة التي أعطت للحي مظهرًا حضاريًا يليق به. هذه الانطباعات تكشف أن المواطن البسيط بدأ يلمس فعليًا أثر المشاريع المنجزة، وهو ما يعزز الثقة في وجود رؤية تنموية تراكمية تسعى إلى معالجة مختلف الانشغالات تدريجيًا. ولاية الجلفة بحجمها السكاني والجغرافي الكبير تتطلب مشاريع كبرى، وقد وضع الوالي جهيد موسى هذا التحدي نصب عينيه من خلال الدفع نحو تجسيد المنطقة الصناعية والمطار، باعتبارهما ركيزتين استراتيجيتين لدعم الاقتصاد المحلي وخلق مناصب شغل للشباب. كما يولي اهتمامًا خاصًا لمشاريع البنية التحتية على غرار الطريق الوطني رقم 1، والسكن الريفي، ومختلف الملفات الاجتماعية، في إطار مقاربة شاملة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الواقع التنموي للجلفة. هذا التوجه يجعل من حضوره الميداني علامة فارقة، ويمنح للمواطنين شعورًا متزايدًا بأن التنمية في ولايتهم تسير بخطوات ثابتة نحو المستقبل.
وقد نجح جهيد موسى في فرض أسلوب مغاير قائم على الاستماع المباشر والحضور الميداني، ما جعله نموذجًا للجدية والانضباط، حيث يركز على الإنجاز الملموس بدل الخطابات الطويلة، فيمنح بذلك الثقة للمواطنين بأن التنمية تتحقق بالفعل على أرض الواقع
الصورة الكاملة إذن تكشف عن واقع مركّب: جهود تبذل لتحسين ظروف المعيشة اليومية، مقابل مشاريع كبرى ما تزال مؤجلة. وفي قلب هذا التناقض، يظهر الوالي كرجل “الخدمات في صمت”، يسعى لتخفيف الأعباء اليومية لكنه مطالب بقفزة نوعية تعالج جذور الأزمة. فالسؤال الذي يظل مطروحًا: هل يكفي العمل في صمت لقيادة ولاية بحجم الجلفة نحو تنمية حقيقية؟ أم أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى رؤية شاملة تتجاوز الترقيعات وتضع حدًا لعقود من التهميش؟