ألقى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خطابًا هامًا أمام غرفتي البرلمان، رسم فيه ملامح المرحلة المقبلة، التي تركز على تكريس الحكم الراشد، تعزيز الديمقراطية، وتحقيق التنمية الشاملة. الخطاب كان غنيًا بالرسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما يعكس إرادة حقيقية لتطوير البلاد ودفعها نحو مصاف الدول الناشئة.
افتتح الرئيس تبون خطابه بالتأكيد على أن مخاطبة نواب الشعب أمام البرلمان يعكس التزام الدولة بمبادئ الشفافية واحترام المؤسسات الدستورية. هذا النهج يمثل خطوة أساسية في بناء الثقة بين الدولة والشعب، وترسيخ القواعد الديمقراطية عبر تشريع قوانين تعزز المشاركة الشعبية، مثل قانون البلدية والولاية الذي اعتبره الرئيس أساس الديمقراطية الحقة.دعا الرئيس إلى تغليب لغة الحوار الهادئ والبناء، بعيدًا عن الغوغاء والمزايدات. وأشار إلى أن الدعوات إلى التغيير يجب أن تكون شاملة، حيث لا يمكن لمن يطالبون بالتغيير أن يعتبروا أنفسهم غير معنيين به. وأكد في هذا الإطار أن التغيير هو مسؤولية مشتركة تتطلب العمل الجاد من الجميع.
جدد الرئيس تعهده بمواصلة مكافحة الفساد بشتى أنواعه، مشددًا على أن هذه المعركة ستستمر “حتى آخر نفس”. وأوضح أن الفساد كان العائق الأكبر أمام تحقيق التنمية المنشودة، وأن الدولة عازمة على استئصاله للحفاظ على حقوق الشعب ومقدراته.
أكد الرئيس أن الجزائر تحقق نجاحات غير مسبوقة في المجالين الاقتصادي والمالي، مشيرًا إلى أن جميع المؤشرات الآن “في اللون الأخضر” باعتراف دولي. من أبرز الإنجازات التي تم تسليط الضوء عليها:
التحول إلى دولة ناشئة: الجزائر تسير بخطى ثابتة لتكون ضمن الدول الناشئة خلال الأشهر المقبلة.تم إطلاق مشاريع اقتصادية كبرى، مثل استغلال الثروات الطبيعية لأول مرة منذ الاستقلال.
مشاريع استراتيجية: مشروع استغلال حديد غارا جبيلات، الذي سيبدأ إنتاجه في عام 2026.
توسيع شبكة السكك الحديدية لتصل إلى تمنراست، مما يعزز استغلال الثروات المنجمية وتسهيل حركة البضائع.
الاكتفاء الطاقوي: الجزائر، التي كانت تستورد البنزين حتى عام 2021، أصبحت تنتجه بجميع أنواعه محليًا وبسواعد جزائرية. حققت اكتفاء ذاتيًا في الطاقة الكهربائية، مع فائض يبلغ 12 ألف ميغاواط مخصص للتصدير.
السيادة الغذائية: بلغت قيمة الإنتاج الفلاحي 37 مليار دولار، وهو ما يمثل قفزة نوعية.
تسعى الجزائر لتحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح اللين بعد نجاحها في القمح الصلب.
ركز الرئيس على أهمية مشاريع السكن في تحسين حياة المواطن، مؤكدًا أن السكن ليس تبديدًا للمال العام كما يدعي البعض، بل هو أساس كرامة المواطن. وأوضح أن مشاريع السكن أصبحت تُبنى بمواد محلية جزائرية، مما خفف العبء المالي على الدولة.
أشاد الرئيس بجهود الشباب الجزائري الذي رفع التحدي عبر إنشاء شركات ناشئة في مختلف المجالات. وأكد أن هذا الجيل يمثل “جيلا جديدًا نظيف السريرة” يسعى لبناء مستقبل البلاد بعيدًا عن ممارسات تضخيم الفواتير والفساد.كما دعا الرئيس إلى فتح مناطق نشاط في المناطق النائية لدعم الحرفيين، مؤكدًا أن هذا حق مشروع للشباب في تلك المناطق.
وجه الرئيس دعوة مفتوحة للجزائريين المقيمين بالخارج للاستثمار في بلدهم، مؤكدًا أن قانون الاستثمار ثابت ولن يتغير لمدة عشر سنوات، ما يضمن استقرار السياسات الاقتصادية ويشجع على الاستثمار طويل الأمد.
اعترف الرئيس بأن الجزائر عانت من تصحر صناعي كبير خلال العقود الماضية، حيث انخفضت مساهمة الصناعة إلى 3% فقط من الناتج الداخلي الخام. إلا أنه شدد على أن الدولة وضعت “الأصبع على الجرح” وبدأت في تنفيذ خطط لإعادة بناء القطاع الصناعي.
اختتم الرئيس خطابه بتأكيد مواقف الجزائر الثابتة تجاه قضاياها التاريخية والوطنية:
طالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية، بما في ذلك تقتيل الجزائريين وتجاربها النووية التي تركت آثارًا خطيرة في الصحراء الجزائرية.
أكد الرئيس أن موقف الجزائر ثابت تجاه دعم الشعب الفلسطيني حتى تحقيق استقلاله.
شدد على أن الجزائر ترى القضية كمسألة تصفية استعمار وحق تقرير المصير، رافضًا فكرة الحكم الذاتي باعتبارها “طرحًا فرنسيًا”.
في ختام الخطاب، طمأن الرئيس الشعب الجزائري بأن البلاد تسير على الطريق الصحيح، داعيًا الجميع إلى التكاتف والعمل من أجل الجزائر. وأكد أن الدولة تعمل على رفع القدرة الشرائية بنسبة 53%، وتعزيز الإنتاج الوطني، وتحقيق التنمية المستدامة في جميع القطاعات.