في ظرف سياسي محلي متوتر يعيش على وقع صراعات لا تنتهي داخل المجلس الشعبي البلدي لدار الشيوخ، برز اسم الرئيس المستخلف سلماني المختار كعنوان للأمل وسط الفوضى، بعد أن وجد نفسه أمام امتحان عسير منذ أن تم تنصيبه على رأس البلدية يوم الخامس من أوت 2025. فبينما انغمس بعض المنتخبين في لعبة الكواليس والمصالح الضيقة، قرر الرجل أن ينزل مباشرة إلى الميدان، وأن يواجه واقعا مرا يختزل أربع سنوات من التسيب والإهمال الإداري والتنموي. ومنذ الأيام الأولى، لم يتردد في أن يظهر أن التسيير ليس مجرد حسابات انتخابية أو مساومات شخصية، بل هو مسؤولية ميدانية وواجب تجاه المواطن الذي سئم الانتظار وسئم أن يرى بلديته غارقة في الانقسامات والركود.
الأزمة التي تعيشها دار الشيوخ ليست وليدة اليوم، بل هي تراكم سنوات من الشلل داخل مجلس محلي تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بدل أن يكون أداة لخدمة التنمية. فالمداولات تعطلت أكثر من مرة، المشاريع توقفت، والانسدادات تكررت بشكل جعل المواطن في موقع الضحية الأولى. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الناس أن تشتغل المؤسسة المنتخبة لخدمتهم، وجدوا أنفسهم يتفرجون على مشهد مؤسف: طرقات مهترئة، إنارة غائبة، نظافة معدومة، مشاريع معطلة، وخدمات أساسية مفقودة. هذه الخلفية السوداء هي التي ورثها سلماني المختار وهو يدرك أن مهمته لن تكون سهلة، بل ستكون معركة مع تركة ثقيلة من جهة، ومع أطراف اعتادت على الاستفادة من الفوضى من جهة أخرى. في أول تصريحاته بعد التعيين، كشف الرئيس المستخلف أنه اصطدم بوضع كارثي داخل البلدية، حيث وجد مكاتب مغلقة وموظفين غائبين وتسيبا إداريا شاملا وانعدام شبه كلي لروح المسؤولية. وجد العتاد معطلا منذ سنوات، وغيابا تاما للنظافة في الشوارع والأحياء، وغياب ثقافة الاستقبال الإداري التي من المفروض أن تكون أول واجب تجاه المواطن. هذه الصورة القاتمة جعلته يضع نصب عينيه أولوية إعادة الهيبة للإدارة المحلية، وإعادة فتح المكاتب وتفعيل المصالح، حتى يعود المواطن ليشعر بأن بلديته موجودة في خدمته وليست مجرد بناية بلا روح. رغم قصر المدة التي لم تتجاوز الشهرين، إلا أن “سلماني المختار” بدأ في خطوات ميدانية عكست إرادة واضحة في التغيير. فبمجرد أن استعاد التحكم في المكاتب، شرع في تحريك المشاريع المعطلة منذ سنوات. طريق تسطارة – المليليحة دخل أخيرًا مرحلة الإصلاح، فيما ينطلق المقاول هذا الاثنين في أشغال شبكة الصرف الصحي بمحاذاة حي 316، وهي مشاريع ظل المواطن ينتظرها منذ سنوات طويلة. كما سعى إلى تحسين ظروف الدخول المدرسي وضمان نقله وإطعامه رغم نقص الإمكانيات، حيث نجحت البلدية لأول مرة منذ سنوات في تسجيل دخول مدرسي دون مشاكل تذكر، وهو ما اعتبره كثيرون مؤشرا على عودة الانضباط رغم شح الموارد. ومع كل هذه التحركات التنظيمية والإدارية، لم يغفل سلماني المختار عن بعدٍ أساسي في التسيير وهو الاحتكاك المباشر بالمواطنين. فخلال مدة لم تتجاوز 57 يوما من توليه رئاسة المجلس، استقبل في مكتبه أكثر من 800 شخص. وهي حصيلة غير مسبوقة تعكس حجم التهميش الذي عاشه المواطن لسنوات، وتعكس أيضا الإرادة في فتح أبواب البلدية أمام الجميع من دون استثناء أو بيروقراطية خانقة. هذه اللقاءات اليومية سمحت بطرح عشرات الانشغالات والملفات العالقة، ومنحت المواطن لأول مرة الانطباع بأن صوته مسموع وأن الانشغال المحلي لم يعد مجرد ورقة تتآكل في الأدراج.
غير أن هذه الخطوات لم تمر دون مقاومة. فالإصلاحات التي باشرها وضعتْه مباشرة في مواجهة مع من كانوا جزءًا من منظومة الفساد خلال السنوات الأربع الماضية، شخصيات نافذة وأرباب مال وحتى موظفين ألفوا التمرد والفوضى داخل الإدارة. قراراته الصارمة وتحديه لهم جعلت منه غرضًا لسهامهم، لكنه – كما يؤكد في كل مناسبة – يراهن على نصرة المواطن البسيط الذي لا يطلب سوى تنمية بلدته وتوفير أبسط الخدمات.
المشهد داخل المجلس لا يزال مرهونا بوجود أطراف تصر على تعطيل المداولات وخلق بؤر التوتر لإضعاف الرئيس الجديد. بل إن بعض الرافضين لا يخفون رغبتهم في أن يكون رئيس المجلس مجرد واجهة شكلية، يتحكمون فيه من وراء الستار، بينما يبقى هو في الواجهة يتحمل المسؤولية أمام الرأي العام. هذه الرغبة تكشف حقيقة الصراع: فالأمر بالنسبة لهؤلاء لم يعد يتعلق بمصلحة المواطن ولا بخدمة البلدية، بل بصراع نفوذ ومصالح شخصية فقدت مشروعيتها مع مرور الزمن. التحديات الأخرى ليست سياسية فقط، بل مادية أيضا. فالإمكانيات المالية للبلدية محدودة، والمشاريع الكبرى تحتاج إلى دعم من السلطات الوصية. تصحيح أخطاء مشاريع سابقة يتطلب وقتا وجهدا إضافيين، والظروف الموضوعية تجعل مهمة الإصلاح صعبة حتى على من يملك الإرادة. ومع ذلك، يصر الرجل على أن الإصلاح ممكن إذا توفر التوافق والدعم.
الشارع المحلي، من جانبه، بدا متابعا لما يجري، بين مؤيد متحمس ومتحفظ متشكك. فشريحة معتبرة من المواطنين رحبت بالتحركات الجديدة، معتبرة أن خطوات الرئيس المستخلف تمثل بارقة أمل في واقع قاتم. هؤلاء يرون أن مجرد إعادة الانضباط داخل الإدارة وتحريك المشاريع العالقة هو بحد ذاته إنجاز يستحق التنويه، خصوصا في فترة قصيرة لم تتجاوز الشهرين. أما الفريق المتحفظ فيقول إن التجارب السابقة علمتهم الحذر، وأن الحكم على نجاح أي رئيس بلدية لا يكون إلا بالنتائج طويلة المدى وبمدى القدرة على تجاوز العراقيل المستمرة. لكن ما يجمع الطرفين هو قناعة راسخة أن دار الشيوخ لم تعد تتحمل المزيد من الانسداد، وأن استمرار تعطيل المجلس الشعبي البلدي يعني ضياع المزيد من الفرص وتعميق معاناة المواطن. ومن هنا برزت أصوات عديدة تدعو والي الولاية جهيد موس إلى التدخل المباشر، ليس فقط كسلطة وصية، بل كداعم فعلي للمسار الإصلاحي الجديد. هذه الأصوات تؤكد أن الرئيس المستخلف، مهما كانت إرادته قوية، لن يتمكن بمفرده من مواجهة شبكة المصالح التي تعرقل كل خطوة، وأن السلطة الولائية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تمنح الغطاء السياسي والإداري للرجل حتى يتمكن من العمل.
المطلوب من الوالي، وفق ما يردده الشارع، لا يقتصر على تسريع منح الاعتمادات المالية ومراقبة المشاريع، بل يتعداه إلى مراقبة أداء الأعضاء الذين يحاولون تعطيل المداولات، وضمان أن المجلس يعود إلى وظيفته الأصلية: خدمة المواطن قبل أي شيء آخر. فدار الشيوخ بحاجة إلى مشاريع سكنية جديدة، إلى توسيع شبكة الصرف الصحي، إلى إعادة الاعتبار للطرق الحضرية، إلى توفير الخدمات الأساسية التي تعتبر بديهية في بلديات أخرى. وكل هذه الملفات لن تتحرك إذا ظل المجلس غارقا في الانقسامات.
اليوم، يقف الجميع أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن يُمنح الرئيس المستخلف الفرصة كاملة ليبرهن على قدرته في قيادة البلدية نحو مسار جديد، وإما أن تستمر لعبة التعطيل والانقسام التي لا تخدم إلا أصحاب النفوذ الذين فقدوا شرعيتهم أمام الرأي العام. المواطن بدار الشيوخ لم يعد يملك رفاهية الانتظار، ولا يقبل أن تظل بلديته أسيرة الصراعات. ومنحه الثقة في الرئيس الجديد ليس تفويضا مطلقا، بل رسالة بأن الناس يريدون التغيير، ويريدون أن تتحول الوعود إلى أفعال.
إن ما يعيشه المجلس الشعبي البلدي لدار الشيوخ هو صورة مصغرة لأزمة التسيير المحلي في كثير من البلديات عبر الوطن: غياب رؤية، صراعات مصالح، انسداد دائم، ومواطن ضائع بين
المؤكد أن دار الشيوخ تستحق فرصة حقيقية للخروج من دائرة الانسداد، وأن على السلطات المحلية، وعلى رأسها والي الولاية جهيد موس، أن تتحمل مسؤوليتها في دعم كل مبادرة إصلاحية تعيد للمجلس هيبته وللمواطن ثقته. فالتاريخ لن يرحم المتسببين في ضياع الفرص، والشارع لن يغفر لمن جعل همومه ورقة في صراعات النخب. لقد آن الأوان لأن تنتصر المصلحة العامة على المصالح الضيقة، وأن يجد المواطن في مجلسه المحلي مؤسسة تخدمه لا ساحة صراع تستهلك سنوات من عمره دون جدوى.