عين رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، يوم الأحد، زهير بوعمامة وزيرًا للاتصال خلفًا لمحمد مزيان، في ظرف حساس تشهده الساحة الإعلامية الجزائرية، حيث يفرض التطور التكنولوجي والتحولات المتسارعة في أنماط نقل الأخبار والتواصل الاجتماعي وضع استراتيجيات جديدة لمواكبة المرحلة.
بوعمامة، أستاذ جامعي وباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ينحدر من بلدية مجاز الدشيش بولاية سكيكدة. نال شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر، ودرّس في جامعات تيبازة وعنابة، كما ساهم في تكوين الإطارات بالمعهد الدبلوماسي الجزائري. هذه الخلفية الأكاديمية تمنحه معرفة معمقة بقضايا الاتصال والسياسة، قد تساعده على قراءة المشهد الإعلامي من زاوية أوسع وأكثر شمولية.
قبل توليه حقيبة الاتصال، كان بوعمامة قد عُيّن في مايو 2025 مستشارًا لرئيس الجمهورية مكلفًا بالشؤون السياسية والعلاقات مع الشباب والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، وهو المنصب الذي سمح له بالاطلاع عن قرب على التحديات التي تواجه الدولة في الميدانين السياسي والإعلامي، كما أتاح له تفاعلًا مباشرًا مع القوى الحية للمجتمع.
غير أن توليه الوزارة يضعه اليوم أمام امتحان عسير. فالمشهد الإعلامي يعيش تحولات عميقة بفعل الثورة الرقمية، حيث لم تعد وسائل الإعلام التقليدية وحدها مصدر الخبر، بل أصبح المواطن نفسه فاعلًا إعلاميًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي. هذا الواقع يفرض على الدولة تنظيمًا جديدًا ومتوازنًا، يحصّن المجتمع من التضليل والأخبار الزائفة، وفي الوقت نفسه يحمي حرية التعبير من القيود المفرطة.
إلى جانب ذلك، تظل العلاقة بين السلطة والإعلام من أبرز القضايا المطروحة. فكيف يمكن ضمان استقلالية نسبية للصحافة في ظل الحاجة إلى الحفاظ على المصلحة الوطنية؟ وهل سيتمكن الوزير الجديد من خلق مساحة حوار حقيقية بين الفاعلين الإعلاميين والسلطة بعيدًا عن منطق الرقابة الضيقة أو التوجيه المسبق؟
تحدٍ آخر لا يقل أهمية يتمثل في وضعية الإعلام المحلي. ففي كثير من الولايات والمناطق الداخلية، ما زالت المؤسسات الإعلامية تعاني نقصًا حادًا في الإمكانيات والتمويل، وهو ما يجعلها بعيدة عن لعب دورها الكامل في نقل انشغالات المواطنين والمساهمة في التنمية المحلية. هنا يُطرح السؤال حول قدرة بوعمامة على ابتكار آليات لدعم هذه الوسائل وإدماجها في المنظومة الإعلامية الوطنية بشكل أكثر فعالية.
من جهة أخرى، يشكل الشباب كتلة اجتماعية حيوية في المشهد الإعلامي الرقمي، إذ يمثلون الفئة الأكثر تأثيرًا في صناعة المحتوى وتوجيه الرأي العام. ولعل خبرة بوعمامة السابقة في العمل مع هذه الفئة تمنحه فرصة لإيجاد لغة مشتركة معهم، تتيح لهم فضاءات أكبر للتعبير والمشاركة، وتجعلهم جزءًا من السياسات الإعلامية الجديدة بدل أن يبقوا على الهامش.
تعيين شخصية أكاديمية على رأس وزارة الاتصال قد يُقرأ كرسالة إيجابية مفادها أن الدولة تراهن على الكفاءات العلمية في تسيير القطاعات الحيوية. غير أن نجاح بوعمامة لن يُقاس بخلفيته النظرية وحدها، بل بقدرته على ترجمة رؤى واضحة وملموسة، ومواجهة التحديات البيروقراطية والضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تقف في طريق أي إصلاح.
المخاوف المشروعة تبقى حاضرة أيضًا. فهل سيحدث الوزير الجديد تغييرات جوهرية على السياسات الموروثة أم سيكتفي بالتكيّف مع الواقع القائم؟ وهل سيتعرض لمقاومة داخلية من بعض دوائر النفوذ في القطاع الإعلامي؟ ثم هل ستكون لديه الجرأة لإشراك المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة في صياغة السياسات الإعلامية؟
في نهاية المطاف، يمكن القول إن تعيين زهير بوعمامة وزيرًا للاتصال يفتح صفحة جديدة في مسار الإعلام الجزائري. فالرجل يحمل رصيدًا أكاديميًا وتجربة سياسية تمنحه أدوات للتعامل مع التحديات، لكن نجاحه سيظل رهينًا بمدى التزامه بالشفافية، وقدرته على تحقيق التوازن بين حرية التعبير ومتطلبات المسؤولية الوطنية، ورغبته في تحويل الإعلام الوطني إلى قوة حقيقية في خدمة المواطن والدولة على السواء.