الثلثي، الجلفة – في خطوةٍ تهدف إلى الوقوف على سير الأشغال وتقييم مدى مطابقتها للمعايير المطلوبة، حطت لجنة مشتركة رحالها بمشروع مطار الثلثي بولاية الجلفة. الوفد الرفيع المستوى ضم ممثلين عن مؤسسة مطارات الجزائر، والملاحة الجوية، والأرصاد الجوية، بالإضافة إلى مديري الأشغال العمومية والنقل بالولاية ومكتب الدراسات المكلف بالمشروع.
لكن الزيارة، التي كان يُفترض أن تكون روتينية لتقييم التقدم المحرز، سرعان ما كشفت عن خلافات جوهرية في وجهات النظر حول المواصفات الفنية للمشروع، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل هذا المرفق الحيوي.
ففي تطورٍ لافتٍ، أبدى ممثل مؤسسة مطارات الجزائر تحفظات واضحة ورفض بعض الأشغال التي انطلقت بالفعل، مطالباً بإعادة تنفيذها وفق رؤية جديدة. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد ليشمل مقترحات جذرية لتعديل الأبعاد الرئيسية لمدرج الهبوط.
فبدلاً من الطول الأولي المقدر بـ 1800 متر، طالب ممثل المؤسسة بتقليصه إلى 1200 متر فقط. كما شملت المقترحات تقليص عرض المدرج من 60 مترًا إلى 30 مترًا، وهو تغيير كبير في المعايير القياسية لمثل هذه المنشآت. ولم يسلم سمك أرضية الهبوط من التعديل، حيث طالب ممثل مطارات الجزائر بتقليصه من 45 سنتيمترًا إلى 6 سنتيمترات فقط، وهو ما يثير علامات استفهام حول مدى قدرة المدرج المعدل على تحمل حركة الطائرات وسلامتها.
إلى جانب التعديلات الهندسية للمدرج، حملت توصيات ممثل مؤسسة مطارات الجزائر مفاجأة أخرى تمثلت في رفض بناء سور محيط بالمطار، والاكتفاء بتسييجه فقط. هذا الاقتراح يثير مخاوف جدية بشأن الجانب الأمني للمنشأة وحماية المعدات والطائرات من أي محاولات اقتحام أو تخريب محتملة.
تساؤلات مشروعة ومخاوف متصاعدة: هذه المطالب والتعديلات المفاجئة التي طرحها ممثل مؤسسة مطارات الجزائر تثير العديد من التساؤلات المشروعة لدى المراقبين والمواطنين على حد سواء. فما هي المعايير والأسس التي استند إليها في اقتراح هذه التخفيضات الكبيرة في أبعاد المدرج وسمكه؟ وهل تتوافق هذه المقاييس الجديدة مع متطلبات سلامة الطيران وحركة مختلف أنواع الطائرات التي من المفترض أن تستخدم المطار؟
كما يطرح رفض بناء سور والاكتفاء بالتسييج علامات استفهام حول مدى جدية الجهات المعنية في توفير الحماية الأمنية اللازمة لهذا المرفق الاستراتيجي. فهل يفي التسييج بالغرض المطلوب في منطقة قد تشهد تحديات أمنية؟
مستقبل مطار الثلثي على المحك: إن التباين الواضح في وجهات النظر بين ممثل مؤسسة مطارات الجزائر والجهات المحلية المشرفة على المشروع يضع مستقبل مطار الثلثي على المحك. ففي الوقت الذي كانت فيه الآمال معلقة على هذا المشروع ليكون إضافة نوعية للبنية التحتية للنقل بالولاية ورافداً للتنمية المحلية، يبدو أن هناك إعادة تقييم جذرية تجري خلف الكواليس.
يبقى السؤال الأهم: هل ستؤخذ بعين الاعتبار المخاوف المشروعة التي أثارها المهندسون والمسؤولون المحليون حول مدى جدوى وسلامة هذه التعديلات المقترحة؟ وهل سيتم تغليب المصلحة العامة وضمان إنشاء مطار يلبي المعايير الدولية ويخدم تطلعات المنطقة، أم أن هناك اعتبارات أخرى قد تؤثر على القرار النهائي؟
الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير هذا المشروع الحيوي، وسيبقى الرأي العام المحلي والإعلام يترقبون مخرجات هذه الزيارة والقرارات التي ستتخذ بشأن مستقبل مطار الثلثي. فهل سيُكتب لهذا المرفق أن يرى النور وفق معايير تضمن سلامة وأمن مستخدميه، أم سيكون ضحية لتخفيضات قد تُعيق دوره التنموي المنشود؟
