قاطعت جبهة القوى الاشتراكية FFS الرئاسيات في الجزائر 25 سنة، واستهلكت حمس جيلا من الرجال بأكمله من نخبة نخبتها، منذ تسعينيات القرن الماضي (1995) دون أن تُرشح باسمها واحدًا منهم! لتكون عودتهما للغولدن الانتخابي في 7 سبتمبر الحدث الأبرز.. السؤال: ما سرّ عودة المدرستين المعارضتين العريقتين، إلى مضمار الرئاسيات؟ ولماذا في عهد الرئيس تبون؟ إذا كان السؤال أبسط ما يكون فالإجابة في غاية التعقيد، ليس من حيث أن تراكيبها اللغوية أو المفاهيمية صعبة الإدراك، بل لكونها تستعصي التجرع وتستصعب الاستساغة! أولًا تحظى جبهة الأفافاس بتقدير نخبوي في الجزائر، وهي تمثل التيار شبه الحكيم في الساحة، خاصة في منطقة القبائل، للإرث التاريخي والسياسي الذي تركه الرجل الرمز حسين آيت أحمد لمناضلي الجبهة، لهذا يرى الناس في السابق مثلًا، أن علماء الاجتماع ودكاترة الجامعات في تخصصات متنوعة، ونخب الحركات الثقافية المختلفة، وقادة سياسيين وحقوقيين سابقين أمثال المرحوم عبد الحميد مهري، والمرحوم علي يحي عبد النور، بن بيتور وحمروش ورحابي، وكثير من الوجوه الإعلامية ذات التكوين اليساري الأحمر واليساري المعتدل، نراهم في مرات عديدة يحرصون على كراسي الصفوف الأولى حينما تعقد الأفافاس ندوة وطنية من الندوات..كانت ندوات الأفافاس الرداء الذي يدخل تحته جميع هؤلاء ليسهل على السلطة قراءة موقف كل واحد منهم، ليظهروا بمظهر المتشبعين بوطنية سي الحسين الذي كاد يكون كلامه بالنسبة لهم من المقدسات المنزهة عن الخطأ! ولكن كذلك حمس، التي وبالرغم من مساندتها الرئيس المرحوم بوتفليقة، على سوء خاتمة مساره السياسي، إلا أن فك ارتباطها من التحالف معه، بالإضافة إلى منطق وسلالة التداول على قيادتها، لثلاثة عقود، ولو في خضم الخلافات الداخلية وفي بعض الأحيان العميقة جدا، كما حدثت بهدوء، ضد مقري عبد الرزاق، إلا أن الحركة لا تزال محترمة في الساحة! لكل هذه الأسباب، يصعب على الأنصار من بعض النخبويين التنويريين، خارج الأفافاس وحمس، أن يتجرعوا قرار الحزبين للمشاركة في الرئاسيات! كون الحزبان كانا يمثلان قلعتين عتيدتين للملاذ السياسي لذلك الشتات النخبوي الموروث عن بقايا تيارات سياسية من الثمانينيات والتسعينيات! كانت الأفافاس وحمس تجعل من التشكيك في العملية الانتخابية سجلًا تجاريًا متاح للجميع، لكن قرار مشاركتهما، كان له وقع الصدمة على آخر جيل من العدميين، الذين لا تسمع لهم الآن همسًا ، فهم لا يستطيعون إنكار انخراطهم شبه النظامي في الحزبين، وبالتالي لا يقوى منهم أحد لانتقاد قرار المشاركة. إلا أن ما يشبه حشرجة الموت في صدور هؤلاء، أن قرار حمس والأفافاس المشاركة في الرئاسيات، يعد توقيعا على بياض منهما للرئيس تبون على توفيقه في إعادة الثقة لقلاع المعارضة في نزاهة ونظافة العملية الانتخابية، وبهذا يكون الرئيس تبون قد ربح الرهان مرتين..الأولى بأخلقة الحياة السياسية والثانية بإعادة الأمل لأكثر الجزائريين السياسيين تشاؤمًا..فأي لحاف سيحتمي به المتنورون! وأي وعاء انتخابي سيحويهم..نعم قلت سيحويهم!
بقلم : أحمد حفصي
المصدر
الجلفة أونلاين