في تطورات مثيرة للقلق، تتكشف فصول مؤامرة إقليمية خطيرة يبدو أن هدفها النهائي هو تطويق الجزائر وخنقها عبر البوابة الجنوبية، وتحديدًا من موريتانيا. ففي 28 جوان 2025، وبعد عشرة أيام فقط من وقف الضربات بين إسرائيل وإيران، عُقد اجتماع سري مغلق في قصر الوطن بأبوظبي، ضم رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي رونين بار، ونائب رئيس جهاز أمن الدولة الإماراتي علي سعيد الشامسي، ووزير الدفاع الموريتاني حنّنّا ولد سيدي. هذا الاجتماع، الذي جاء بطلب مباشر من بنيامين نتنياهو وبترتيب غير مباشر من دونالد ترامب، لم يكن عاديًا. لقد كان اجتماعًا حاسمًا لتحريك ورقة موريتانيا ضمن خارطة النفوذ الجديدة، حيث تم وصفها صراحة بأنها “الحلقة القادمة”.
الصفقة التي طُرحت على الطاولة كانت مغرية على السطح، لكنها تخفي فخاخًا عميقة. الإمارات عرضت على نواكشوط استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار، ودعمًا مباشرًا لمشاريع الهيدروجين والطاقة، وتكوينًا أمنيًا لوحدات موريتانية خاصة على يد خبراء إسرائيليين، إلى جانب حملة دعائية لتسويق موريتانيا كدولة “عاقلة” ومعتدلة في المنطقة. لكن خلف هذا الكرم المعلن، تم الاتفاق مبدئيًا على منح الإمارات حصة الأغلبية في إدارة موانئ نواكشوط وانواذيبو، وتفويض شركاتها بتشغيل النقاط الأمنية الحدودية، بل وتثبيت وجود استخباراتي دائم باسم “مكافحة الإرهاب”. بذلك، تتحول موريتانيا من دولة مستقلة في خاصرة الجزائر إلى أداة بيد الإمارات، اقتصادًا وأمنًا وسيادة.
محمد بن زايد لا يسعى لتنمية موريتانيا، بل يستكمل تطويق الجزائر جنوبًا بعدما نجح في المغرب، ويعزز قبضته على الساحل باسم “السلام”. فالاستثمار هنا ليس تنمية، بل عقد إذعان مؤجل يراد منه تقويض القرار الوطني وفتح بوابات إفريقيا أمام تحالف أبوظبي – تل أبيب. في هذا السياق، تسابق الإمارات الزمن لفرض وجودها قبل أن تنهار فرنسا تمامًا أو تستفيق الجزائر. موريتانيا ليست في نظر أبوظبي بلدًا هامشيًا، بل منفذًا ذهبيًا للهيمنة يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.
خطة بن زايد تنفَّذ بدقة من غرفة عمليات خاصة في مكتب طحنون بن زايد، وتدار عبر شبكة رجال تمتد من باريس إلى داكار وتل أبيب. وفي اليوم التالي للاجتماع السري، زار وزير الدفاع الموريتاني تل أبيب رسميًا، حيث بحث مع مسؤولين إسرائيليين تفاصيل مشروع التطبيع التدريجي. ويجري الحديث حاليًا في دوائر القرار داخل نواكشوط عن قرب إعلان هذا التطبيع، بدعم إماراتي مباشر، كجزء من حلف إقليمي يراد له أن يحاصر الجزائر جيوسياسيًا ويدفعها نحو الرضوخ للمسار المرسوم من أبوظبي.
هذا المسار محفوف بالمخاطر. إنه لا يجلب السيادة، بل يرهنها. لا يحمي المنطقة، بل يزرع فيها التبعية. وكعربي غيور، وإن لم أكن موريتانيًا ولم أزر نواكشوط من قبل، فإنني أنصح إخوتنا هناك: لا تبيعوا موقعكم في التاريخ مقابل وعود لن تتحقق. لا تحاصروا الجزائر لتُحاصَروا أنتم لاحقًا. إن الأموال التي تُعرض عليكم اليوم ستتحول غدًا إلى أغلال، وإن الصمت عن هذا الاختراق سيجرّ ويلات لا تُحمد عقباها. من يبدأ بشراء الموانئ، ينتهي بشراء السيادة. ومن لا يواجه المشروع اليوم، سيُصبح غدًا مجرّد تابع في خارطة صممتها قوى لا ترى فينا سوى أدوات.