مستشفى العيون في الجلفة: حين يصبح الموعد سيفًا والرحمة غاية نادرة

djelfaonlaine128 مشاهدة
مستشفى العيون في الجلفة: حين يصبح الموعد سيفًا والرحمة غاية نادرة
الحواس زريعة - مقتبس عن أصوات وصرخات العباد والبلاد

أخبار محلية – الجلفة: في وطنٍ طالما تغنى بأمجاد ثورته وبطولات رجاله، يبقى المواطن البسيط، خاصة ذلك الذي أنهكه الفقر، معلقًا بين وعودٍ جوفاء وأحلامٍ تتبخر على عتبات الإدارات والمستشفيات. في ولاية الجلفة، ورغم ما تزخر به البلاد من عقولٍ وكفاءات وثروات، لا يزال البعض يناضل من أجل أبسط حقوقه: العلاج. نعم، العلاج، ذلك الحق الذي يفترض أن يكون مكفولًا، متاحًا، ويسير المنال لكل مواطن، بغض النظر عن مكانته أو ثروته. لكن، للأسف، يبدو أن هذا الحق في بعض الأحيان يتحول إلى امتيازٍ لا يُمنح إلا بتأشيرة موعدٍ مؤجلٍ إلى أجلٍ غير مسمى، في انتظار صحوة ضمير أو قرارٍ مسؤولٍ طال انتظاره.

في المقابل، بزغ نورٌ ساطعٌ من قلب مؤسسة استشفائية متخصصة في طب العيون بولاية الوادي. في شهر الرحمة، رمضان، تجسدت الرحمة أفعالًا لا مجرد شعارات. مبادرةٌ عنوانها “بدون موعد

لم تكن مجرد فكرة عابرة، بل كانت موقفًا إنسانيًا راقيًا أعاد تعريف معنى المستشفى، معنى الطبيب، ومعنى الواجب. استقبلت المؤسسة المرضى من جميع الفئات، كبارًا وصغارًا، أغنياء وفقراء، دون قيدِ موعدٍ أو شروطٍ تعجيزية، محطمةً بذلك جدار المواعيد الطويلة التي قتلت فينا الأمل وحولت المؤسسات الصحية إلى متاهاتٍ لا يخرج منها إلا من طال عمره أو قويت شوكته. كانت المبادرة درسًا بليغًا في الأخلاق والإنسانية، وتجسيدًا حقيقيًا لمعنى المسؤولية.

بينما أضاء نور الوادي سماء الأمل، بقي ظلام الإهمال مخيمًا على ولاية الجلفة. لم نرَ ذلك النور، بل لمسنا فقط عتمة المواعيد المؤجلة، وبرودة القلوب المتجاهلة، واللامبالاة التي تطغى على ملامح مستشفى يفترض أنه صرحٌ طبيٌ شامخ في المنطقة. في الجلفة، لا تزال الوجوه شاحبةً تنتظر دورًا قد لا يأتي، ولا يزال الأمل حبيس الأدراج، والأجهزة الحديثة عصية المنال على المرضى الفقراء.

ترى، لماذا هذا التباين الصارخ؟ لماذا لم تُطلق مبادرة مماثلة في مستشفى العيون بالجلفة؟ هل سكان الجلفة أقل قيمة؟ هل مرضاهم لا يشعرون بالألم؟ هل كبارهم لا يفقدون بصرهم؟ هل أطفالهم لا يعانون من أمراض العيون؟ هل الرحمة تجزأ بحسب الجغرافيا؟

أسئلةٌ مؤلمةٌ، لكنها ضرورية، نطرحها بعد أن بلغ بنا الصمت والصبر والإنتظار الذي لا ينتهي حدًا لا يطاق. كم من مسنٍ في الجلفة وافته المنية وهو ينتظر موعدًا؟ كم من شيخٍ فقد بصره لأن الموعد جاء بعد فوات الأوان؟ كم من امرأةٍ فقدت الأمل لأنها لا تملك المال الكافي للعلاج في عيادة خاصة؟ كم من طفلٍ يمكن إنقاذه الآن، لكنه حبيس قائمة انتظارٍ تقول: “تعال بعد أشهر”؟ أليست هذه آلامٌ؟ أليست هذه مأساة؟ هل أصبح الحق في البصر رفاهية؟ هل تحول المستشفى إلى مؤسسةٍ لتوزيع بطاقات المواعيد المتباعدة؟ إن مستشفى العيون في الجلفة ليس فقيرًا من حيث الإمكانات. بل يملك أضخم الميزانيات، وأغلى الصفقات، وأحدث الأجهزة، وأطباء متخصصين، وأجنحة مجهزة. لكن ما ينقصه هو الإرادة الخيرية، النية الصادقة في خدمة المواطن المغلوب على أمره، قلبٌ يشعر، وعقلٌ يتحرك، وضميرٌ يستيقظ. نحن لا نطلب المستحيل، لا نطلب تجهيزات جديدة ولا موارد إضافية. نحن نطلب فقط أن يُفتح القلب، وأن يُزال قيد الإستقبال، وأن يُلغى الموعد الطويل الذي لا يناسب مرضًا قد يفقد الإنسان بصره في أيام. هل يعقل أن نترك إنسانًا في الجلفة يفقد عينه بينما جهاز الفحص موجود وصعب المنال؟ هل هذا من الواجب؟ هل هذا من الدين؟ أين المهمة النبيلة التي كثيرًا ما نسمع عنها في الخطابات؟ أين الضمير المهني؟ أين حق المريض؟

إننا نرفع اليوم صوتنا عاليًا لا لندين، بل لنذكر. نذكر بأن المريض إنسانٌ وليس رقمًا، بأن الطبيب مسؤولٌ لا موظفًا فقط، وبأن المدير قادرٌ على اتخاذ القرار إن أراد.

إلى رئيس الجمهورية، إلى الوزير الأول، إلى وزير الصحة، إلى والي الجلفة، إلى مدير الصحة لولاية الجلفة، إلى كل من يملك القرار: نريد مبادرة أيضًا “بدون موعد” في الجلفة.

نريد أن تُفتح الأبواب كما فُتحت في الوادي. نريد أن ينتقل النجاح من ولاية إلى أخرى لا أن يُحتجز في مكان واحد. نريد أن يشعر الفقير أن له مكانًا في المستشفى، أن له أولوية وحقًا في العلاج، وأن هناك من يراه، من يسمعه، من يحس بوجعه.

  • هل هذا كثير؟ هل نطلب أكثر من اللازم؟ أم أن الإنسانية صارت سلعة نادرة؟ أوقفوا المواعيد الطويلة وافتحوا القلوب قبل الأبواب. أنقذوا ما يمكن إنقاذه. المستشفى ليس ديكورًا وليس مبنى جميلاً، هو أملٌ وهو حياةٌ وهو الفاصل بين النور والظلام. نحن لا نريد أن نكتب هذا النص العام القادم، ولا نريد أن نقف أمام أبواب المستشفى نبكي أبناءنا وآباءنا وأمهاتنا. نريد أن نكتب عن مبادرة ناجحة انطلقت في الجلفة، نريد أن نصفق كما صفقنا للوادي، نريد أن نحيا يومًا لا يكون فيه الموعد سلاحًا يؤجل الرحمة، ولا تكون الورقة أقوى من الضمير.
  • فهل من سامع؟ وهل من مستجيب؟ وهل من مسؤول يرى هؤلاء الناس بعينيه قبل أن يفقدوا عيونهم؟
المصدر الجلفة أونلاين
الرئيس تبون يوجه رسالة للأمة بمناسبة ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق