مشاريع متأخرة، تسيير غامض، وصمت رسمي… الوجه الآخر لاتصالات الجزائر بالجلفة

djelfaonlaine14 سبتمبر 2025
مشاريع متأخرة، تسيير غامض، وصمت رسمي… الوجه الآخر لاتصالات الجزائر بالجلفة

في الوقت الذي ترفع فيه الدولة الجزائرية شعار “التحول الرقمي” وتتباهى بمشاريع ربط المدارس والمؤسسات بشبكة الألياف البصرية، تعيش ولاية الجلفة على وقع مشهد مغاير تمامًا. مدينة كاملة تئنّ تحت وطأة عجز مزمن في خدمات الاتصالات، مواطنون عالقون في قوائم الانتظار لخط هاتفي أو ربط بسيط بالإنترنت، ومؤسسات عمومية عاجزة عن إرسال بريد إلكتروني بسبب غياب البنية التحتية الرقمية. كل ذلك بينما تصدر مديرية اتصالات الجزائر بالجلفة بيانات تُغلف الواقع بأرقام منمقة، وتحاول التستر على إخفاقات صارخة وسوء تسيير مزمن، ما يجعلنا أمام نموذج حي للفشل المؤسسي المقنن.

منذ سنوات، يتكرر نفس المشهد: طوابير انتظار طويلة للحصول على خط هاتفي ثابت أو خدمة أنترنت ADSL أو حتى ربط عبر الألياف البصرية. في العديد من البلديات مثل عين وسارة، مسعد، الإدريسية، فيض البطمة، دار الشيوخ وحتى عاصمة الولاية الجلفة، ترددت نفس الشكاوى على لسان المواطنين. انتظار يتجاوز في أحيان كثيرة ستة أشهر، خطوط تُفصل بشكل مفاجئ دون إنذار مسبق، أعطاب متكررة لا تجد من يصونها، ومراكز خدمات لا تتجاوب مع التظلمات، لتتحول الاتصالات من خدمة أساسية إلى معاناة يومية. المدارس التي من المفترض أن تدخل عصر الرقمنة عبر مشروع الربط بالألياف البصرية، ما زالت تعتمد على الوسائل التقليدية بسبب بطء الإنترنت أو انقطاعه، والبلديات والمؤسسات العمومية تجد نفسها عاجزة عن تسيير مراسلاتها الرسمية في ظل غياب شبكة موثوقة.

لكن الأخطر من كل ذلك هو سياسة التجميد غير المبررة التي تنتهجها المديرية في التعامل مع مشاريع جاهزة على الورق منذ سنوات. أحياء كاملة اكتملت عمرانياً وظلت محرومة من أبسط أشكال الربط الهاتفي والأنترنت، فيما يتم تمرير مشاريع أقل أولوية في مناطق أخرى. وحين تتبعنا خريطة إنجاز مشاريع الـFTTH على مستوى الجلفة، اكتشفنا أن هذه المشاريع لا تُنجز وفق معايير علمية مرتبطة باستقطاب الزبائن أو تحقيق التغطية الشاملة،  وبذلك تحولت الجلفة في نظر العديد من سكانها إلى ولاية ظل داخل ما يُفترض أنه “الجزائر الجديدة”، إذ ظلت بعيدة عن ديناميكية الرقمنة التي تتباهى بها السلطة المركزية، وظل سكانها يواجهون عزلة رقمية حقيقية.

أحد الفنيين السابقين الذي تحدث إلينا مشترطاً عدم ذكر اسمه، أكد أن مشاريع الألياف البصرية تحولت إلى دجاجة تبيض ذهباً للبعض. 

المعضلة لا تتوقف عند سوء الأشغال وتلاعب الصفقات، بل تتجاوزها إلى بنية داخلية مغلقة تدار بعقلية “الكارتل”. المديرية، بحسب شهادات موظفين حاليين وسابقين، تحولت إلى ملكية خاصة لمجموعة ضيقة من الأفراد يتحكمون في مسارات الترقية والنقل والتكليف بالمهام. الولاء هو المعيار الأول للترقية، أما من يجرؤ على التشكيك في أسلوب التسيير أو مساءلة القرارات فيتم تهميشه. موظف حالي فضل الحديث معنا بشرط السرية وصف الوضع قائلاً: “كل الملفات تمر عبر أشخاص معدودين. المدير لا يتحكم في كل شيء. هناك شبكة داخلية. الشفافية غائبة تماماً،”. هذا الوضع أدى إلى فقدان الثقة داخل المؤسسة.

تتابع تعاقب المديرين على رأس مديرية الجلفة لم يغير من الأمر شيئاً. فالمدير الحالي الذي نُصب قبل نحو تسعة أشهر، جاء وسط آمال كبيرة بإحداث نقلة نوعية. غير أن الواقع لم يُظهر أي تغيير ملموس. نفس الملفات بقيت مجمدة، نفس الشكاوى ترددت، ونفس الأعطاب تتكرر يومياً. السكان الذين استبشروا بخطابات التغيير وجدوا أنفسهم أمام استمرار المنظومة ذاتها. بعضهم يعتقد أن المدير مجرد امتداد لنهج سابق، فيما يرى آخرون أنه يواجه مقاومة داخلية تمنعه من إحداث إصلاح حقيقي. في كلا الحالتين، النتيجة واحدة: الوضع لم يتغير، والأزمة تتفاقم.

اللافت أيضاً هو الغياب الكلي للرقابة المركزية. الوزارة الوصية لم تُرسل منذ سنوات أي لجنة تفتيش جدية، رغم تراكم الشكاوى وارتفاع الأصوات المطالبة بالتدخل. حتى الأسئلة النيابية المتكررة لم تحرك ساكناً، وهو ما فتح الباب أمام فرضية وجود غطاء سياسي أو شبكات نفوذ تحمي الوضع القائم. فمنذ عام 2022 لم يُنشر أي تقرير رسمي عن حصيلة مشاريع FTTH في ولاية الجلفة، ولا أي توضيح عن مصير الميزانيات المرصودة. الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة عن طبيعة العلاقة بين المديرية الولائية والجهات الوصية.

الجلفة ليست ولاية هامشية ولا نائية. هي واحدة من أكبر ولايات الجزائر من حيث عدد السكان والمساحة. غير أن تعامل اتصالات الجزائر معها يوحي بمنطق تهميش ممنهج يضرب عرض الحائط بحق المواطنين في خدمة عمومية أساسية. استمرار هذه الوضعية لا يضر فقط بالخدمات اليومية، بل يعطل رؤية الدولة في التحول الرقمي، ويغلق أبواب الاستثمار، ويقيد حتى فعالية المؤسسات الإدارية والتربوية. فكيف يمكن لجامعة الجلفة مثلاً أن تلتحق بركب الرقمنة وهي تعاني من انقطاعات متكررة للأنترنت؟ وكيف لمدارس الابتدائي أن تستفيد من مشروع الرقمنة وهي بلا ربط فعلي؟ وكيف يمكن للمؤسسات الاقتصادية أن تنافس وهي محرومة من أنترنت ذات جودة مقبولة؟

إذا كانت الدولة جادة فعلاً في مشروعها للتحول الرقمي، فإن البداية لا تكون إلا بتطهير المؤسسة المسؤولة عن ذلك. لا يكفي تغيير مدير أو إصدار بيان صحفي مطمئن، بل المطلوب تفكيك الشبكات غير الرسمية التي تسيطر على المديرية، استرجاع الأموال المهدورة، محاسبة المتورطين، وإعادة الثقة لموظفين كفاءتهم هي رأس مال المؤسسة الحقيقي. فالتغيير لن يأتي من فوق فقط، بل يجب أن يُبنى من داخل المؤسسة عبر إعادة الاعتبار للكفاءات التقنية والإدارية المهمشة.

الجلفة اليوم لا تحتاج إلى وعود جديدة ولا شعارات برّاقة، بل إلى إرادة سياسية واضحة تضع حداً للرداءة المستشرية وتحمي الحق البسيط للمواطن في خدمة اتصالات محترمة. الإنترنت والهاتف لم يعودا من الكماليات، بل أصبحا شرطاً للحياة اليومية، للعمل، للتعليم، وللتواصل. وحرمان ولاية كاملة من هذا الحق هو شكل من أشكال الإقصاء التنموي الذي يجب أن يُعالج فوراً.

ولأن واجب الصحافة أن تضع المسؤول أمام الرأي العام، فقد اتصلنا بمدير اتصالات الجزائر بالجلفة، طرحنا عليه جملة الأسئلة المرتبطة بمشاريع الألياف البصرية، الصفقات المجمدة، غياب الصيانة، ومصير الأموال المرصودة، غير أننا لم نتلق أي رد إلى غاية نشر هذا التحقيق.

الرئيس تبون يوجه رسالة للأمة بمناسبة ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر 1960

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق