رغم أن ولاية الجلفة لا تزال تواجه تحديات حقيقية في تزويد سكانها بالماء الشروب بانتظام، إلا أن مؤشرات التحسن بدأت تظهر بوضوح خلال الأشهر الأخيرة، بفضل التحركات الميدانية والنهج العملي الذي تبناه مدير الموارد المائية، السيد متان أحمد، منذ توليه مهامه. فبعد سنوات من الشكاوى المتكررة والتذبذب في الخدمة، دخل القطاع مرحلة جديدة عنوانها العمل الميداني والرقابة الصارمة على الشبكات، وهو ما انعكس تدريجيًا على تحسين التموين وتقليص حجم التسربات والتوصيلات العشوائية التي كانت تستنزف آلاف الأمتار المكعبة من المياه يوميًا.
تحت إشراف مباشر من السيد متان أحمد، أُطلقت حملة شاملة لإصلاح التسربات والقضاء على التوصيلات غير القانونية عبر مختلف بلديات الولاية، بمشاركة فعّالة من وحدات المؤسسة الجزائرية للمياه. وأسفرت العملية عن نتائج ملموسة، حيث تم إصلاح 145 تسربًا على مستوى قنوات التوزيع واسترجاع نحو 2300 متر مكعب من الماء يوميًا كانت تُهدر بسبب التسربات، إلى جانب نزع 10 توصيلات غير شرعية عبر أهم القنوات الحيوية، منها سبع في منطقة أولاد أسعيد واثنتان بخزانات شيبوط وتوصيلة واحدة نحو مدينة الجلفة. كما تم اتخاذ إجراءات قضائية ضد المخالفين، في خطوة تعكس جدية القطاع في فرض احترام القانون وحماية المورد المائي من الاستنزاف.
وفي خطوة نوعية، أدخلت المديرية تقنية “الجيوردار” (Georadar) لأول مرة للكشف عن التسربات والتوصيلات غير القانونية بدقة عالية تحت الأرض دون الحاجة إلى الحفر العشوائي. وقد مكّن هذا الجهاز من تحديد مناطق التسرب المخفية وتوجيه فرق الصيانة بسرعة نحو النقاط الحساسة. كما تم التنسيق مع فرق من ولايتي الأغواط والمسيلة لاستكمال الأعمال التقنية في بلديات عين أفقه والزعفران التي تأجلت بسبب نقص المعدات، مما يؤكد الطابع التعاوني لعمل المديرية مع نظيراتها في الولايات المجاورة.
لم يقتصر عمل السيد متان أحمد على إصلاح الأعطاب فحسب، بل شمل أيضًا تأهيل البنية التحتية القديمة لشبكات التوزيع والجر ووضع خطة لتجديد المقاطع المتقادمة تدريجيًا. كما عزز التنسيق مع البلديات لضمان مراقبة الشبكات الداخلية بشكل يومي، ما جعل الجلفة من بين الولايات التي بدأت تسجل انخفاضًا مستمرًا في عدد الأعطاب الشهرية. هذه المقاربة الوقائية جعلت القطاع ينتقل من معالجة الأزمات إلى استباقها.
ويُعرف متان أحمد لدى زملائه بطابعه العملي وحضوره الدائم في الميدان، إذ يفضل المتابعة الميدانية على التقارير المكتبية. فهو يشرف شخصيًا على عمليات الصيانة ويتأكد من تنفيذ البرامج وفق الجداول الزمنية المحددة، ويعقد اجتماعات دورية لتقييم الأداء وتصحيح النقائص، مؤمنًا بأن “الإدارة الناجحة تُقاس بنتائجها لا بعدد المراسلات.”
وقد أسفرت هذه الجهود عن تحسن واضح في خدمة الماء الشروب بعدد من البلديات التي كانت تعاني من انقطاعات مزمنة مثل الجلفة ودار الشيوخ والمجبارة، حيث ساهمت حملات الصيانة وإزالة التوصيلات العشوائية في رفع الضغط داخل الشبكة وتحسين التدفق، ما انعكس إيجابًا على حياة المواطنين. وتشير التقديرات إلى أن المياه المسترجعة من التسربات أصبحت تغطي حاجيات آلاف الأسر يوميًا، وهو إنجاز ملموس في ظل الطلب المتزايد على هذا المورد الحيوي.
النجاح المسجل يعود أيضًا إلى الانسجام الكبير بين مديرية الموارد المائية ومؤسسة الجزائرية للمياه، إذ اعتمد الطرفان منهجًا تشاركيًا يقوم على تبادل المعلومات التقنية وتكامل فرق المراقبة والصيانة. كما تم إنشاء قاعدة بيانات دقيقة حول النقاط السوداء في الشبكة تُستخدم حاليًا لتحديد أولويات الاستثمار والصيانة المستقبلية، ما جعل تدخلات الميدان أكثر سرعة وفعالية.
ويرى متان أحمد أن التحدي المقبل يتمثل في ترسيخ ثقافة الترشيد والاستهلاك المسؤول للماء لدى المواطنين، عبر برامج تحسيسية بالتعاون مع الجمعيات المحلية والمدارس. كما يسعى إلى رقمنة تسيير القطاع عبر أنظمة مراقبة ذكية للمحطات الكبرى، وربطها بمنصات رقمية تتيح تتبع التدفق وجودة المياه في الزمن الحقيقي. هذه الرؤية الحديثة تهدف إلى جعل الجلفة ولاية تسير بخطى ثابتة نحو إدارة مائية أكثر شفافية واستدامة.
لقد نجح السيد متان أحمد في إعادة الانضباط إلى قطاع الموارد المائية بالجلفة، فبفضل حملاته الميدانية واستعمال التقنيات الحديثة والتنسيق المؤسساتي، تمكن من تخفيض معدلات التسرب واسترجاع آلاف الأمتار المكعبة من المياه التي كانت تضيع سنويًا. ورغم أن التحديات لا تزال قائمة، فإن المسار التصحيحي الذي انطلق بقيادته أعاد الثقة في قدرة الإدارة على التغيير. وإذا كانت التوصيلات العشوائية تمثل رمزًا للفوضى في الماضي، فإنها اليوم أصبحت عنوانًا لمرحلة جديدة من المسؤولية والانضباط.
💧 من الماء نبدأ، وبالانضباط نحافظ عليه… فكل قطرة تستعاد هي انتصار للمسؤولية والضمير المهني.


















