بقلوبٍ مؤمنةٍ بقضاء الله وقدره، وبحزنٍ عميقٍ يعتصر القلوب، نودّع اليوم فارس الجزائر وأحد صقور الدبلوماسية الجزائرية، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي – رحمه الله رحمةً واسعة.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء عمّا قدّم لوطنه وشعبه، وأن يلهم أهله وذويه والشعب الجزائري الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
وُلد الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي سنة 1932 بولاية سطيف، وهو نجل العلامة محمد البشير الإبراهيمي، أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي حملت لواء النهضة الفكرية والإصلاحية قبل الاستقلال. جمع الراحل بين العلم والسياسة والفكر، فكان طبيبًا مختصًا في الأمراض العصبية، ومفكرًا صاحب مؤلفات فكرية ووطنية عميقة، كما كان أحد أبرز الوجوه التي ساهمت في بناء الدولة الجزائرية الحديثة بعد الاستقلال.
تولى الإبراهيمي عدة مناصب وزارية هامة، من أبرزها وزير التربية الوطنية من 1965 إلى 1970، حيث أشرف على تعريب المناهج وتوسيع التعليم بعد الاستقلال، ثم وزير الإعلام والثقافة بين 1970 و1977، وأسّس خلال هذه الفترة سياسة إعلامية وطنية تعزز الهوية الجزائرية، قبل أن يُعيّن وزيرًا للشؤون الخارجية من 1982 إلى 1988، حيث عُرف بحنكته الدبلوماسية ومواقفه الثابتة في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية.
وقد مثّل الجزائر في العديد من المحافل الدولية، وكان من الأصوات القوية في نصرة القضية الفلسطينية، والدفاع عن مبدأ عدم الانحياز، وإبراز صورة الجزائر كدولة مساندة لحركات التحرر في العالم.
منذ الإعلان عن وفاته، عمّ الحزن مختلف ولايات الوطن، وتدفقت رسائل التعزية من مسؤولين ومثقفين ومواطنين، ونعاه الجزائريون باعتباره رجل المواقف الوطنية الصادقة ورمز الأخلاق والوفاء لمبادئ الثورة. كما نعاه عدد من القادة العرب والدبلوماسيين السابقين الذين عرفوه عن قرب، مشيدين بدماثة خلقه ورصانته الفكرية، فيما خصصت وسائل الإعلام الوطنية والعربية تغطيات خاصة لمسيرته الغنية بالعطاء، مؤكدين أنه من آخر رموز الجيل الأول من بناة الدولة الجزائرية.
على منصات التواصل الاجتماعي، تحوّلت صفحات الجزائريين إلى فضاءات للتأبين والدعاء، حيث كتب أحدهم: “رحم الله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، رجل المبادئ والضمير الوطني، الذي خدم الجزائر بصدقٍ ونزاهة.” وقال آخر: “برحيله، تفقد الجزائر أحد أعمدة فكرها السياسي والدبلوماسي، لكن إرثه سيبقى حيا في ذاكرة الأمة.” ومن المنتظر أن تُصدر رئاسة الجمهورية بيان تعزية رسمي تقديرًا لمكانة الراحل في مسار الدولة الجزائرية ولدوره البارز في ترسيخ قيم الوطنية والاستقلالية الفكرية.
لم يكن الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي مجرد وزير أو سياسي، بل كان ضميرًا وطنيًا حيًا حمل همّ الجزائر في مختلف المحطات التاريخية. كتب، وناقش، وعبّر، دون أن يتنازل عن مواقفه المبدئية، فكان صوته صوت الحكمة والعقلانية في زمن الانفعال السياسي. ترك خلفه إرثًا فكريًا غزيرًا، من أبرز مؤلفاته “مذكرات جزائري بين عهدين” و”في قلب المعركة من أجل الجزائر” و”أفكار في السياسة والثقافة”، وهي كتب تجمع بين السيرة الذاتية والتحليل السياسي العميق وتشكل مرجعًا للأجيال المقبلة لفهم مرحلة مفصلية من تاريخ الجزائر.
برحيله، فقدت الجزائر أحد أبنائها الأوفياء وأحد صقور دبلوماسيتها الذين رفعوا رايتها عاليًا في العالم، لكن ذكراه ستبقى حية في وجدان الجزائريين رمزًا للنزاهة والفكر المستنير.
يتقدم طاقم موقع الجلفة أونلاين والجلفةTV إلى عائلة الفقيد وإلى الشعب الجزائري كافة بخالص عبارات التعزية والمواساة، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين. رحم الله فارس الجزائر وأحد رجالها المخلصين. إنا لله وإنا إليه راجعون. 🇩🇿🕊️