شهد تاريخ المغرب الحديث سلسلة من الاغتيالات السياسية التي تُعد أحد أبرز مظاهر القمع الممنهج الذي يتبعه النظام المخزني منذ عقود طويلة. هذه العمليات، التي استهدفت رموز المعارضة والشخصيات البارزة، أظهرت استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على السيطرة المطلقة للنظام من خلال إسكات أي أصوات تطالب بالإصلاح أو تهدد استقراره.
في ستينيات القرن الماضي، وفي خضم تصاعد الحركات السياسية المطالبة بالديمقراطية، برز المهدي بن بركة كرمز للمعارضة اليسارية. اختفى بن بركة في باريس عام 1965 في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل، حيث تورطت فيها أجهزة المخابرات المغربية بالتنسيق مع جهات دولية.
ورغم مرور أكثر من نصف قرن على اختفائه، تظل قضيته شاهدة على تورط النظام في استخدام العنف السياسي، وعلى التواطؤ الدولي في التغطية على الجريمة، مما يُبرز عمق ارتباط المخزن بسياسات الاستبداد.
لم يكن بن بركة الوحيد في قائمة المستهدفين. فقد عرفت عقود السبعينيات والثمانينيات استهدافًا متواصلًا للنشطاء السياسيين والنقابيين وزعماء الحركات الاحتجاجية. على سبيل المثال، اختطاف الحسين المانوزي، الناشط النقابي، في ظروف غامضة يعكس استمرار سياسة التصفية ضد المعارضين.
إلى جانب الشخصيات السياسية، طالت آلة القمع الصحفيين والمثقفين والمحامين. فعمليات الاغتيال والاعتقال التي استهدفتهم لم تكن مجرد انتهاك لحقوق الأفراد، بل كانت رسالة واضحة بأن أي محاولة للتعبير الحر ستُواجه بالقمع الشديد.
تقارير حقوقية دولية أظهرت أن النظام المغربي يعتمد على شبكة قمع متكاملة تشمل الأجهزة الأمنية والقضاء المُسيّس، ما يجعل العدالة غائبة تمامًا في قضايا الاغتيالات السياسية.
في الوقت ذاته، استغل النظام موجات الاحتجاج الكبرى لقمع المزيد من الأصوات الحرة، متجاهلًا كل التداعيات الإنسانية والقانونية، ليُرسخ صورة دولة تخضع بالكامل لإرادة المخزن.
رغم الادعاءات الرسمية بوجود استقرار داخلي، تُظهر هذه الممارسات أن النظام المغربي يواجه أزمة شرعية عميقة، حيث يُفضل العنف والقمع على الحوار والإصلاح.
إن استمرار سياسة الاغتيالات والتصفية الجسدية يعكس غياب الإرادة الحقيقية لبناء نظام ديمقراطي قائم على مبادئ القانون والمواطنة، مما يوسع الفجوة بين الدولة والشعب، ويزيد من احتمالية نشوب أزمات كبرى في المستقبل.
إن إيقاف هذه الحلقة المفرغة من العنف السياسي يتطلب إرادة شعبية قوية تضغط نحو تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
بناء مستقبل ديمقراطي يتطلب إعادة النظر في أسس النظام السياسي، والتخلص من أساليب القمع التي تُقيد حرية التعبير وتُهدد حقوق الإنسان، من أجل بناء دولة قانون حقيقية تضمن الكرامة والحرية لكل مواطنيها.