الجلفة – في ولايةٍ تزخرُ بالكرمِ والأصالة، وفي مدنٍ وبلداتٍ تتنفسُ عبقَ التاريخ، يئنُّ المئاتُ من المرضى المزمنين في صمتٍ موجعٍ داخلَ غرفٍ باردةٍ قلّما يزورها نورُ الشمس. أرواحٌ مُعلقةٌ بخيطِ أملٍ رفيعٍ اسمه “المنحة الجزافية للتضامن”، لكن هذا الخيطُ يبدو واهنًا، أقربَ للانقطاعِ في ظلِّ تكدسِ الملفاتِ وإهمالِها في أدراجٍ أوصدتْ أبوابَها بلا رحمة.
ماذا ينتظرُ أصحابُ القرار؟ هل ستتحركُ اللجانُ وتُجرى الدراسةُ بعدَ أن يرحلَ أولئكَ الذين أودعوا ملفاتِهم منذُ شهورٍ طويلة؟ وهل نحنُ بحاجةٍ لنعشٍ جديدٍ حتى تُفتحَ الملفاتُ المغلقة؟ إن المعاناةَ التي يعيشُها هؤلاءِ ليست مجردَ حكاياتٍ تُروى، بل هي وجعٌ يوميٌّ يمتدُّ من فجرٍ باردٍ إلى ليلٍ طويلٍ بلا دواء.
مرضى السرطانِ، ومرضى القلبِ، وأصحابُ الفشلِ الكلوي، وذوو الاحتياجاتِ الخاصةِ، وغيرهم ممن يفتكُ بهم الزمنُ والمرضُ معًا، يركضونَ خلفَ ملفٍ يفترضُ أنه حقُّهم، لا منةً من أحد، بل اعترافًا من الدولةِ بضعفِهم وحاجتِهم للعون.
يروي أحدُ المرضى بقلبٍ مُثقل: “وضعتُ ملفي منذُ أكثرَ من عام، وكلُّ مرةٍ يُوجهونني من بابٍ إلى باب، ومن البلديةِ إلى مديريةِ النشاطِ الاجتماعيِ بالجلفة، ومن هناكَ إلى مقرِّ الولاية، ولا أحدَ يُعطينا جوابًا شافيًا، فقط أعذارٌ وتبريرات!”
وعندما تُسألُ مديريةُ النشاطِ الاجتماعيِ بالجلفة، تُجيبُ بأنها غيرُ معنيةٍ، وأن الإشكالَ يكمنُ عندَ مصالحِ ولايةِ الجلفةِ التي لم تُشكلِ اللجنةَ ولم تُحددْ بعدُ يومَ دراسةِ الملفات. أما الولايةُ، فصامتةٌ كأن الأمرَ لا يعنيها، أو كأن المتألمينَ لا يسكنونَ في خريطتِها الإدارية.
ترى، لماذا لم تُشكلِ اللجنةُ إلى غايةِ اليوم؟ هل المرضى لا يدخلونَ ضمنَ الأولويات؟ ألا تعلمُ السلطاتُ أن هذه المنحةَ هي السبيلُ الوحيدُ لتمكينِهم من بطاقةِ الشفاءِ ومن اقتناءِ الأدويةِ التي قد تُنقذُ حياتَهم؟
عبرَ مختلفِ البلدياتِ التابعةِ لولايةِ الجلفة، تتكررُ القصةُ ذاتُها والوجعُ ذاتُه. تجدُ شيخًا تجاوزَ السبعينَ يحملُ ملفَهُ بيدٍ مرتجفة، وأرملةً لا تملكُ سوى دموعِها، وأمًا لعدةِ أطفالٍ تنهارُ عندَ أبوابِ الإداراتِ وهي تردد: “عندي ملفٌّ من سنة، هل نسيتمونا؟”
أليسَ من الظلمِ أن يُتركَ هؤلاءِ عرضةً للعجزِ والبردِ والجوعِ والدواءِ الغالي؟ أليسَ من العيبِ أن نرى قراراتٍ فوقيةً تُعرقلُ لجانًا بسيطةً كان من المفترضِ أن تنعقدَ دوريًا كلَّ أسبوعٍ وكلَّ شهر؟ ما ذنبُ من لا يستطيعُ العمل؟ ما ذنبُ من يلتهمُ السرطانُ جسدَهُ؟ ما ذنبُ من يحتاجُ إلى غسيلِ الكلى أسبوعيًا ولا يملكُ أجرةَ النقل؟ ما ذنبُ من يتاجرُ بعضُ الصيادلةِ بحياتِهِ بسببِ غيابِ التأمينِ الصحي؟
سيدي والي ولاية الجلفة، أنتَ أملُ هؤلاءِ اليوم، وأنتَ القادرُ على إصدارِ التعليماتِ الفوريةِ لتشكيلِ اللجنةِ الولائيةِ لدراسةِ ملفاتِ المنحةِ التضامنية. هؤلاءِ لا يطلبونَ سوى حقٍّ بسيطٍ يكفلُ لهم شيئًا من الكرامةِ ويمنحُهم القدرةَ على مواجهةِ المرض.
نرجوكَ، لا تُؤجلِ القرارَ أكثر! نرجوكَ، لا تجعلْهُم رقمًا إضافيًا في سجلاتِ الموتى! نرجوكَ، أن تنزلَ إلى أرضِ الواقع، أن تنظرَ في أعينِ المرضى، وأن تستمعَ لآهاتِهم قبلَ أن يرحلوا بصمت! هذا نداءٌ من قلبِ الجلفة، من وجعِ أبنائها الذين خذلتْهُم مختلفُ الإدارات.