الحواس زريعة
في مشهد سياسي مضطرب يعاني من هشاشة المؤسسات والانقسامات الحادة، تبرز الإمارات العربية المتحدة كواحدة من أكثر القوى الخارجية تأثيرًا في تعميق الأزمة الليبية، لا من خلال المواجهة المباشرة، بل عبر أدوات خفية تنسج بها خيوط تدخلاتها المتعددة المستويات.
🎯 رغم تراجع الدور العسكري العلني لأبوظبي عقب فشل حملة اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس (2019-2020)، فإن الأدلة على استمرار نفوذها لم تغب يومًا عن المشهد الليبي. تحولت الإمارات إلى فاعل غير مباشر يعتمد على إعادة تدوير الأدوات، من ميليشيات أمنية إلى واجهات دينية وتنموية وسياسية، لفرض أجندة توسعية تعزز مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية.
❌ بعد أن كانت أحد أبرز الداعمين لحفتر بالسلاح والتكنولوجيا والدعم الاستخباراتي، انتقلت الإمارات إلى مرحلة أكثر خفاءً، تحرك فيها وكلاء محليين، لا سيما من التيارات السلفية المدخلية، الذين يُتهمون بولائهم للإمارات أكثر من انتمائهم للمشروع الوطني الليبي. هذه الجماعات، التي تنشط في الشرق والغرب، أصبحت أدوات فعالة لتفكيك النسيج الليبي وتمييع المشهد الأمني تحت غطاء “الشرعية”.
💣بجانب العمل العسكري غير المباشر، تسعى الإمارات لبسط نفوذها عبر مشاريع اقتصادية مشبوهة واستثمارات في البنى التحتية والموانئ، وتحالفات مع شخصيات سياسية انتهازية، تُستخدم كقنوات ضغط ناعمة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية بما يخدم مصالحها. كما يُتهم الإعلام الممول من أبوظبي بلعب دور تحريضي وتأجيجي يعمّق الاستقطاب داخل المجتمع الليبي.
⚠️خلال أحداث مايو 2025، خرجت مظاهرات في طرابلس تندد بتدهور الأوضاع الأمنية، لكنها حملت أيضًا رسائل سياسية واضحة ضد التدخل الإماراتي، الذي وصفه متظاهرون بأنه “سرطان صامت يعيد إنتاج المأساة”. الهتافات لم تكن فقط ضد حفتر، بل ضد داعميه الذين، حسب المحتجين، يسعون لزرع نظام استبدادي عبر وكلاء محليين.
🕸️ رغم محاولات أبوظبي إظهار نفسها كمجرد “شريك في السلام”، فإن تقارير دبلوماسية وإعلامية متعددة أكدت أن ما يُروج له كـ “انسحاب” إماراتي من ليبيا هو مجرد إعادة تموضع: تقليص الوجود العسكري المباشر لتخفيف الانتقادات الدولية، مقابل تعميق النفوذ الاستخباراتي والسياسي والاقتصادي.
🧠تحترف الإمارات، بحسب محللين، سياسة “هندسة الفوضى”، حيث لا تسعى للهيمنة عبر الجيوش، بل عبر إدارة الانقسامات، وتوجيه المخرجات السياسية، وتغذية الصراعات بما يكفي لإبقاء ليبيا تحت رحمتها، دون أن تتحمل مسؤولية مباشرة. هذه الاستراتيجية تتماشى مع نهجها في دول أخرى بالمنطقة، من اليمن إلى السودان، حيث تُستخدم أدوات محلية لخدمة أجندة إماراتية أوسع.
📌إن استمرار التدخل الإماراتي، سواء عبر حفتر أو عبر أدوات أكثر تمويهًا، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والدمار. ليبيا اليوم تحتاج إلى مشروع وطني جامع ينطلق من الداخل، لا إلى وصاية إقليمية تُعيد تدوير الفوضى وتُجهض فرص المصالحة. وإذا كانت الإمارات تقدم نفسها كـ”شريك استقرار”، فعليها أن تثبت ذلك بالفعل لا بالدعاية، وأن تكفّ يدها عن العبث بمستقبل الليبيين.
المصدر
الجلفة أونلاين